تونس: أزمة في القصور أم في الدستور - وسام حمدي

mainThumb

22-03-2018 12:38 PM

 عودة الجدل في تونس حول تغيير النظام السياسي، عبر تنقيح وارد لدستور وصلت بمقتضاه الطبقة الحاكمة اليوم إلى السلطة، أدت إلى إثارة عدة استفسارات منطقية حول ماهية الأزمة السياسية في البلاد.

 
مع تعمّق الأزمة التي تلوح في أعلى دواليب الدولة ورأسا صلب الائتلاف الحاكم لا يمكن المرور عند استعراض وتشخيص حقيقة الوضع دون طرح تساؤل بسيط وعميق في محتواه، لا تخرج مقاصده عن البحث عن أصل الأزمة التونسية فهل هي نتاج للقصور بمعناه اللُغوي أو بسبب سوء التنسيق في إدارة الحكم بين قصور الدولة أي قصر قرطاج (رئاسة الجمهورية) وقصر القصبة (قصر الحكومة) وقصر باردو (مقر البرلمان)؟ أم هي فعلا وليدة إرهاصات دستور جعل السلطة مجزئة ومفككّة وغير واضحة المعالم؟
 
فنفي الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي خلال الاحتفال بالذكرى 62 لاستقلال البلاد عزمه التقدم بمبادرة تشريعية ترمي إلى تنقيح الدستور قصد تغيير النظام السياسي، لا يحجب رغبته الجامحة أو نزعة عدة مكوّنات سياسية في البلاد الطامحة للتخلصّ من النظام الحالي شبة البرلماني بالعودة وجوبا إلى النظام الرئاسي.
 
ورغم أن السبسي فنّد استباق عدة أطراف سياسية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية أو حركة النهضة اللتين حذرتا من مغبة الدفع بالبلاد إلى العودة إلى مربّع حصر السلطات في قصر قرطاج على حساب الحكومة أو البرلمان، فإنه ورغم إصراره على التأكيد بأن تجربة النظام الحالي لم تستكمل بعد، لم يُخف توقه إلى تغيير النظام السياسي عبر عرضه حزمة من الهنّات التي تضمنها دستور عام 2014، والتي عطّلت بإجماع كل الفاعلين تقدّم المسار الديمقراطي في البلاد.
 
من الناحية القانونية لا يُخفي أهل الذكر من المختصين في القانون الدستوري نقدهم أو تحفظاتهم من مكبلات النظام شبه البرلماني الذي حكم البلاد منذ ثورة يناير 2011، أو من عديد النقائص المضمنة بالعديد من الأبواب والفصول المتعلقة بآليات الحكم وكيفية ممارسته، أو حول من يتحمل مسؤولية الفشل في الخيارات السياسية والاقتصادية.
 
وبعيد عن المعارك الأيديولوجية المتمحورة في جلّها حول التخويف من مساوئ النظام الرئاسي الذي ثبت فشله طيلة ستة عقود في تونس إبان حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ومن بعده الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فإنه لا يخفى على التونسيين أن البلاد انتهجت مُرغمة وبتشبّث من حركة النهضة إبان ثورة يناير 2011 أكثر الأنظمة السياسية في العالم هشاشة، وهو النظام البرلماني الذي عانت من مطبّاته دول عريقة في مقدمتها إيطاليا على سبيل المثال.
 
فحركة النهضة كانت تعلم منذ أن وطأت أقدام زعيمها راشد الغنوشي أرض تونس أن مسألة الحُكم صعبة، وأن الحل الأمثل هو البحث عن منوال يضمن لها البقاء في الحكم طيلة عقود، لكن دون منح الشعب أو الطبقة السياسية فرصة لتحميلها المسؤوليات السياسية والأخلاقية لكل مظاهر الفشل في الحكم أو ما يترتب عن ذلك من زيغ بالبلاد عن ثوابتها السياسية أو المجتمعية.
 
لكن كل هذه المآزق المضمّنة بدستور الجمهورية الثانية والتي يبقى على رأسها عدم استكمال تطبيق أبوابه من قبيل عدم تركيز أهم مفاصل الدولة أي المحكمة الدستورية، لا يمكن لها أن تحجب حقيقة مفادها أن حزبي الحكم، نداء تونس والنهضة، يحرصان على التفصّي من المسؤوليات بقصد تعويم أزمة المنظومة أو ضعف التفاعل والتنسيق بين أطراف الائتلاف الحكومي، مما أدى إلى استفحال الأزمة السياسية ووضع البلاد في منعرج متعدد الأبعاد وقابل للانفتاح على سيناريوهات عدة.
 
ورغم ثبوت قصور فاعلية النظام شبه البرلماني في تونس عبر تسببه في إحداث حالة فوضى في الحكم وعدم استقرار خاصة في الحكومات أو في رؤسائها، فان نقطة أخرى زادت في تعميق انسداد الأفق السياسي بالبلاد وتكمن في التداخل الكبير الحاصل في صلاحيات الرئاسات الثلاث، أي الرئاسة ورئاسة الحكومة والبرلمان.
 
فالمنطق السياسي يفرض أن تتمتع أجهزة الدولة المنتخبة بصلاحيات أوسع من أي طرف آخر يكون وليد توافقات سياسية، إلاّ أن ما حصل في تونس خصوصا في عهدي حكم الحبيب الصيد أو من بعده رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد يؤشّر على بقاء مؤسسة رئاسة الجمهورية مرتدية إلى حد جبة الرئاسة في فترة ما قبل الثورة وهو ما صعب من حسن توظيف وتوزيع السلطات بين رأسي السلطة التنفيذية وفقا للدستور.
 
مؤشرات الساحة السياسية التونسية تدل على أنّ البلاد لم تُحكم إلى الآن بمقتضى ما تضمنه دستور الجمهورية الثانية، بقدر ما حكمتها إكراهات سياسية في مقدمتها التوافق بين نداء تونس والنهضة عقب انتخابات 2014 أو عبر محاولة بعض الساسة لعب دور غير منبثق لا من الدستور ولا من القوانين المنظمة للبلاد، من قبيل تجرؤ زعيم النهضة راشد الغنوشي في دعوة مخالفة للدستور طالب فيها رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالالتزام بعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية 2019 رغم وعيه بأن مطلبه مخالف للدستور.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد