النكبة المتجددة والحصانة الإسرائيلية - سلام السعدي

mainThumb

23-05-2018 03:31 PM

 سوف يعتقد الجاهل بتاريخ القضية الفلسطينية وهو يشاهد اندفاع الشباب الفلسطيني بمناسبة إحياء ذكرى النكبة واحتشادهم على المناطق الحدودية لقطاع غزة لتأكيد حق العودة، أن أعواما معدودة فقط قد مرت على ذكرى احتلال أرضهم وتهجيرهم منها، وهو ما يجعلها حية ومفعمة بالتحدي.

 
قبل أيام، لم تمر الذكرى الثانية ولا الثالثة ولا العاشرة، بل هي الذكرى الحادية والسبعون على النكبة الفلسطينية. لسبب ما، وجد الفلسطينيون الطاقة والنشاط لإبقاء ذكرى نكبتهم حية ولمواصلة النضال طيلة تلك الأعوام، حتى من دون وجود أفق واضح يؤشر إلى يوم حريتهم. حتى إسرائيل فقدت الأمل في العام 2011 في أن ينسى الفلسطينيون ذكرى نكبتهم بمرور الزمن ومنعت إحياءها.
 
استطاع الفلسطينيون المواصلة لأن النكبة لم تحدث قبل واحد وسبعين عاما لتنتهي، بل لتبدأ. إنها نكبة مستمرة تتجدد في كل يوم ولا تترك للفلسطيني من خيار سوى النضال المستمر للخلاص من الاستعمار والاستعباد.
 
يعتبر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية آخر احتلال في العالم. يخضع نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة لحصار إسرائيلي منذ أكثر من عشر سنوات. فيما يعيش ملايين الفلسطينيين داخل إسرائيل كمواطنين من الدرجة الثانية. وكذلك حال الفلسطينيين في الضفة الغربية حيث تضيّق إسرائيل الخناق على حياتهم وتمارس السرقة المنظمة لأراضيهم وبيوتهم.
 
وأخيرا، تمنع إسرائيل نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني من العودة إلى أراضيهم. هذه هي النكبة المستمرة التي يحيها الفلسطينيون وهو ما يجعلها حية كل عام كما لو كانت حديثة.
 
هي قصة نضال استثنائية ومشرّفة، ولكنها مع ذلك لا تحظى بالدعم والتضامن الدوليين المناسبين. بخلاف قضايا التحرر عبر العالم، تمارس الدول ومؤسسات الإعلام الغربية، حتى المستقلة منها، حملات تعتيم وتشويه مستمرة بحق القضية الفلسطينية.
 
لا تفلت إسرائيل من المحاسبة الدولية على الجرائم المروعة التي ترتكبها فقط، بل تتمتع أيضا بحصانة خاصة تتصل بعدم قدرة دول العالم على انتقادها والإشارة إلى إجرامها بما يتناسب مع مستويات ذلك الإجرام.
 
قتلت إسرائيل في تظاهرات “مسيرة العودة الكبرى” على حدود قطاع غزة نحو ستين متظاهرا فلسطينيا وأصابت الآلاف بالرصاص الحيّ والغازات المسيلة للدموع. ضمن القتلى والمصابين شيوخ ونساء وأطفال ورضّع وطواقم طبية. رغم كونها “دولة قانون”، لا ينطبق قانونها على الفلسطينيين الذين يجري التعامل معهم على أنهم كائنات ما دون إنسانية ومن دون حقوق، يمكن قتلها بكل برودة أعصاب عندما تقترب من حدود سجنها الكبير المسمّى بقطاع غزة.
 
إنها عقلية فاشية تلك التي تقوم عليها الممارسة الإسرائيلية الإجرامية تجاه الفلسطينيين. ومع ذلك، يتجنّب الجميع ليس فقط محاسبة إسرائيل على جرائمها الاستثنائية، أو العمل الجاد على إنهاء آخر احتلال في العالم، بل يتم تجنب حتى مجرد انتقادها.
 
لا يكفي القول أن سبب ذلك هو دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، بل يبدو أن العالم أجمع يخضع للإرهاب الفكري واللغوي الإسرائيلي، ويشاركها بذلك الإرهاب بحق الفلسطينيين.
 
يمكن ملاحظة التواطؤ مع الجرائم الإسرائيلية من خلال متابعة الإعلام الغربي. تجنّبت معظم محطات التلفزيون والصحف الغربية العريقة والمعروفة بمهنيتها، باستثناء عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، انتقاد تلك الأخيرة، بل مجرد الإشارة إليها، بسبب الاستهداف الوحشي لمتظاهرين سلميين على حدود قطاع غزة واختارت عناوين من قبيل “اشتباكات توقع أكثر من ستين قتيلا”، أو “تظاهرات فلسطينية عنيفة توقع عشرات القتلى”، أو “عشرات الفلسطينيين يموتون على حدود قطاع غزة”.
 
يبدو القاتل مجهولا وبصورة متعمدة في عناوين الأخبار. وفي التفاصيل، يجري الإشارة لإسرائيل ولكن بعد تشويه الحقائق، كالقول بأنها كانت تحاول منع الفلسطينيين من عبور حدودها وتهديد أمنها.
 
في حقيقة الأمر، لم يكن هنالك اشتباكات بل استهداف مباشر من قبل جنود الاحتلال للمتظاهرين وللكوادر الطبية. تتجاهل التفاصيل أيضا أن قطاع غزة ليست دولة مجاورة لإسرائيل لكي نتحدث عن “حدود”. إنها منطقة محتلة من قبل إسرائيل التي تحاصرها برا وجوا وبحرا وتتحكّم بمواردها وسكانها كجزء من سياسة التغيير الديموغرافي الهادفة لإنشاء دولة يهودية صافية وتنفيذ إبادة كاملة بحق الفلسطينيين.
 
لا تشير وسائل الإعلام الغربية إلى الحقيقة البسيطة والجوهرية المتمثلة بأن الفلسطينيين المحتشدين كانوا يحيون ذكرى نكبتهم التي صنعتها إسرائيل وتواصل صنعها بصورة يومية. إنهم السكان الأصليون المطرودون من أرضهم قبل أكثر من سبعين عاما، وهم يحاولون استرداد جزء من حقوقهم.
 
تمارس إسرائيل إرهاب الدولة بصورة يومية بحق الفلسطينيين ولكنها تمارس أيضا الإرهاب الفكري للحفاظ على منظومة الاستعباد والاحتلال. هكذا يمكن أن تسمي مسيرة العودة بمسيرة الإرهاب. كما يمكن لمتحدث باسم حكومة الاحتلال أن يتهم مذيعة تحرجه بطرح الأسئلة حول جرائم دولته بأنها معادة للسامية ولليهود وبأنها تدعم الإرهاب من خلال انتقادها لإسرائيل.
 
هنالك منظمات إسرائيلية متخصصة بتدريب طلاب ومحامين ونشرهم في جامعات ودول العالم من أجل مهاجمة والتشهير ومقاضاة الصحافيين والأكاديميين الذي ينتقدون إسرائيل بتهمة معاداة السامية ودعم الإرهاب. لا تقوم دولة الاحتلال العنصرية على إرهاب الممارسة فقط، بل على الإرهاب اللغوي والأيديولوجي الذي يعطيها حصانة استثنائية ضد المحاسبة والنقد على حد سواء.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد