عقلانية القلب وعقلانية الدماغ - د.محمود العمر العمور

mainThumb

30-12-2018 02:52 PM

 تحدثت آيات من كلام الله عن عقلانية وفقه القلوب التي في الصدور، قال تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (سورة الحج 46). وقوله عز من قائل: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } (سورة الأَعراف 179). وقد بدأت بعض الأبحاث العلمية والتي تتحدث عن ذاكرة القلب وسيطرته على المشاعر وخصوصا العقائدية والدينية منها، وذلك بعد إجراء عمليات زراعة القلب البشري أو الاصطناعي لبعض البشر.
 
عندما خلق الله الإنسان وأعطاه الخيار بين اتباع الحق أو الباطل، بين اختيار طريق الخير أو الشر، أقتضت عدالته ورحمته أن يزرع في هذا المخلوق بذور الخير ألا وهي الفطرة، التي يستطيع من خلالها مقاومة كل سبل الشر التي تأتيه مكتسبة من بيئته الخارجية، حيث يكتسبها من اسرته ومجتمعه ووسوسات الشيطان، وشهواته، وهوى نفسه، قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (سورة الروم 30).
 
 فهو بين نوازع داخلية للخير ألا وهي الفطرة التي جُبل عليها ومكانها القلب، قال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ". متفق عليه. وهذه هي عقلانية القلب، والتي تدل الإنسان على طريق الحق والخير والهداية.
 
 وبين نوازع للخير والشر خارجية مكتسبة من محيطه، وهنا يكون الدماغ هو الفيصل في الاختيار بين طريقي الخير والشر، وهذه هي عقلانية الدماغ التي ترجح كفة الخير المدعومة من الفطرة والخير المكتسب، مقابل كفة الشر التي لا تكون إلا مكتسبة من المحيط.
 
 وتغليب الشر على الخير، يعني فقدان العقلانية الدماغية لبوصلتها الصحيحة، مما يؤدي إلى طمس الفطرة السليمة التي جُبل عليها الإنسان ومكانها القلب، وبالتالي فقدان العقلانية القلبية، قال تعالى:  { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (سورة المطففين 14). ولذلك كان القلب محل الإيمان والنفاق والكفر، اليقين والريب، القسوة واللين، الهداية والزيغ، والختم والطمس على الفطرة السليمة(فطرة الحق والخير)، قال تعالى: { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } (سورة البقرة 93). وقال تعالى: { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } (سورة الفتح 26).
 
 قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } (سورة ق 37)، أي حافظ على فطرته السليمة، وقال تعالى: { مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } (سورة الأحزاب 4)، أي فطرة خير فقط، وليس معها أخرى للشر، فالإنسان مجبول على الخير ويكتسب الخير والشر من محيطه، والدماغ هو الفيصل في الاختيار بين الطريقين، فإما طريق للخير يحفظ العقلانية القلبية، وإما طريق للشر يغطيها فتعمى القلوب التي في الصدور، وتصبح غير قادرة على فقه وتعقّل الفطرة السليمة التي جبلت عليها.
 
 
ولقد ارتبط ذكر حاستي السمع والبصر مع عقلانية القلب، لأنهما الباب الذي من خلاله ندرك ما حولنا، مرورا بالدماغ وعقلانيته، ثم بالقلب وعقلانيته، وقد ذُكرت حاسة السمع أكثر من حاسة البصر في عقلانية القلب؛ لأن هناك الكثير من الغيبيات التي نسمع عنها ولا نراها في أمور العقيدة والإيمان، وهي التي تحفظ علينا فطرتنا السليمة، ولذلك جُعل الدين بالنقل لا بالعقل، لأن الأخير قاصر عن كثير من الأمور الغيبية، وإنما يعقلها بالدلائل والقرائن، وأما القلب فقد عقلها حيث زرع الله فيه الفطرة السليمة. قال تعالى: { إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (سورة الشعراء 89). هذا والله أعلم.
 
      


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد