الشعر سلاح ضد الإرهاب - د. معراج أحمد معراج الندوي

mainThumb

19-03-2019 11:57 AM

تم تخصيص الواحد والعشرين من شهر مارس من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للشعر. هذا الشعر الذي يخاطب القيم الإنسانية الكونية التي تتقاسمها كل الشعوب، فكلماته الموزونة قادرة على إحداث التغيير في الآخرين، كما أن لها سلطة الدعوة إلى الحوار والسلام، ومد الجسور بين الناس على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم؛ فهناك الكثير من الأمور الإنسانية المشتركة بينهم مثل الحب والإعجاب والانجذاب إلى الجمال، وحب السلم والسلام والقيم العليا، وكراهية الظلم والفساد والعنف والإرهاب.  
يملك الشعر قدرة لا نظير لها على تنبيهنا وبعثنا من غفلتنا، وتفتيح بصائرنا لرؤية آيات الجمال المحيطة بنا، ودفعنا إلى الصبر على النوائب والصمود. وإن التاريخ لشاهد على قدرته في التأثير القوي بالآخرين ويشهد التاريخ على اعتماده  منذ العهود الغابرة لنشر السلام في العالم، كما أنه لازال في يومنا هذا يعد من الوسائل القادرة –بكل حب- على تكريس قيم الأمن والأمان ونشر ثقافة السلم والسلام للإنسانية جمعاء كيف ما كانت لغتها ولونها. وخصوصا أن العالم توحد بفضل تطور التكنولوجيا، وما عادت الفوارق والحدود الجغرافية تمنع العلاقات.
 
كان الشعر ولازال دعوة للسلم والخير والمحبة والصلح، ولم يكن لسان الحرب والشر والعداوة والجفاء، فهو يرفع من سوية المشاعر إلى أرفع درجاتها، وينبذ القهر والظلم ويرفضه. ولعل من ضمن حسناته القدرة على مكافحة العنف والإرهاب. ولطالما اتخذه الشعراء سبيلا لحفظ كل أشكال القيم الإنسانية. وقد تبلورت هذه الفكرة- منذ عصور- لدى الشعراء المؤمنين بقيمة الحياة المقدسة وضرورة التعايش السلمي والتسامح المفضي والتنوع الثقافي إلى الأمن والباعث على الحوار الحضاري بين الثقافات المختلفة.
 
ومما لاشك فيه أن الشعر يرسم معالم وأشكال وضروب التأريخ ومخزون الذاكرة، وإن الحرص على تعزيز هذه الأشكال من التبادل والتناقل والحفاظ عليها لجدير بأن يكون الغاية التي يسعى هذا اليوم العالمي إلى بلوغها. ونظرا لأهمية الدور الذي يلعبه هذا الشعر، وقدرته الفريدة على مخاطبة الناس واختراق وجدانهم بلا استئذان في كل مكان وزمان على اختلاف ثقافتهم ومراحل عمرهم، فقد استخدم لتحقيق غاية سامية تتمثل في نبذ العنف والإرهاب، ويعدُّ معينا لا ينضب للحوار والتفاهم بعد ما كان دائما سلاحا لينا ولطيفا لمقارعة الظلم والذوذ عن الحرية.
 
ويحتفل العالم في كل بقاعه بـ"اليوم العالمي للشعر" الذي أعلنته منظمة اليونسكو الداعمة لقيم السلام عام 1999م بهدف تعزيز توجهاتها الهادفة إلى خلق تفاهم وتعايش سلمي بين الثقافات وإقامة روابط حضارية بين الشعوب والدول على أساس سلمي ثابت. وقد أَقرَّت هذه المنظمة بهذا التاريخ بهدف دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرص أكثر لاستخدامها في التعبير وإعطاء زخم للحركات الشعرية الوطنية والإقليمية والدولية. 
وإن من أهداف إحياء يوم عالمي للشعر أيضا هو تعزيز الاحترام المتبادل والتلاحم الاجتماعي الرامي إلى المحبة والسلام. فالاحتفال باليوم العالمي للشعر، احتفاء بالتنوع اللغوي والثقافي سيدفع إلىفرصة حقيقية لنشر ثقافة التسامح والأمن والسلام في شتى ربوع العالم، لأن الشعر هو رحلة الإنسان والحياة، باعتباره الكائن الأقرب إلى مشاعر الأفراد ومطالبهم وآمالهم، والمجسد لأحلام الشعوب، والمعبر عن أسمى أشكال روحانياتهم، وهو الذي يمد الشعوب بالشجاعة من أجل تغيير العالم والمناداة بالمساواة بين الجنسين واحترام الهويات الثقافية والعرقية.
 
 ومثلما أن رسالة الشعراء رسالة خالدة، فالشاعر وهو في نوبات جنونه ينقل بصره من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء، فتصور له مخيلته المبدعة ما لا يراه غيره، ويستطيع أن يترجم هذه المشاعر بقلمه حروفا آسرة، ويجسد بلسانه أصواتا أَخَّاذَة تنقل السامع (المتلقي) إلى عوالم السحر والجمال والسلام الداخلي. ويقوم الشاعر بإعادة التفكير من جديد في علاقة الإنسان بالطبيعة والأشياء. 
 
وفي عام 1997م قام الشعراء الثلاثة وهم “محمود درويش، وفدوى طوقان، وعز الدين المناصرة بعقد مؤتمر في فرنسا يطالب منظمة اليونسكو في بيان رسمي لتحديد يوم عالمي للشعر، وفي عام 1998م قامت اللجنة الوطنية المغربية بتعزيز الطلب الفلسطيني حتى صدر القرار في العام التالي بشكل رسمي. ومنذ إعلانها سنة 1999م عن إقرار21 مارس يوما عالميا للشعر، تنوه منظمة "اليونسكو" بقيمة الشعر كرمز لإبداع العقل البشري بحيث تشيد بهؤلاء الذين لا يملكون سوى أقلامهم وألسنتهم للتعبير عن أفكارهم وآرائهم وخواطرهم. 
 
لقد أصبح الشعر إحدى الوسائل المهمة في نشر السلام حول العالم، فضلاً على أنه أصبح من أهم الرسائل المباشرة للترابط والتراحم بين الناس. وقد حان الوقت لأن يستخدم للتوعية بضرورة محاربة العنف والإرهاب، لكي تنعم جميع الشعوب بالأمن والتعايش السلمي. 
 
 الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
 
 جامعة عالية ،كولكاتا -الهند 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد