أدب الفراق .. وأدب الطلاق

mainThumb

10-12-2020 12:07 AM

نعم… أدب الفراق والطلاق

 

مهما كان نوع العلاقة التي تربطك بشخصٍ ما، صداقةٌ كانت أو علاقة حب أم زواج، وأردت الخروج من حياته أو إخراجه من حياتك فلا تلجأ إلى التجريح والإهانة وإن كان قد ظلمك… طبعًا عن الحدود المقبولة من الظلم أتحدّث، والتي لا تصل إلى حدّ اعتبارها جريمة
 
إن كان جُرْحك يغريك بالانتقام لتؤلمه، فالأكيد أن عدم انتقامك هو فعليًّا أشدّ إيلامًا بكثير
 
إن كنت الصديق أو الشريك رائع الصفات، المميّز والمحب، فخسارته لك ستكون موجعةً بما يكفي… وإن منعت نفسك عن “تسديد ضربة انتقامية نهائية” تُشفي بها غليلك وتشعرك بالرضا، لساعات وربما في أفضل الحالات لأيام، فستكون قد زدت ألمه أضعافًا… فقد رأى منك ما لم يكن يتوقّعه من شعورٍ بالمرارة والهزيمة والانكسار… رأى شخصًا قويًا واثقًا لا يشكّل فقدانك بالنسبة له أمرًا يستحقّ الوقوف عنده
 
حين نتعمّد إيذاء من آذونا نعطيهم عن غير قصد سببًا لكرهنا أو في أبسط تقدير لاستصغارنا وتبرير ظلمهم لنا أو استهانتهم بنا… نعطيهم ترياق نسياننا… نُرضي غرورنا وكبرياءنا ونسكّن شعورنا بالألم لفترة محدودة… إلا أننا نهديهم في الوقت ذاته صكّ التبرئة عن أخطائهم في حقنا… ونضيع أقوى سلاحٍ موجع يستطيع إيلامهم لسنوات، بل لعمرٍ بأكمله… الندم
 
سأبدأ بعلاقات الحب
 
جمعتكما ذكرياتٌ جميلة وأوقات لا تُنسى، لا مبرّر لتشويهها !! الأسلوب الأروع والأكثر رقيًّا وشجاعةً للانفصال هو المواجهة الصريحة. لا تلجأ إلى الهروب والاختفاء دون إعطاء أي إنذارٍ أو أسباب، إنه الأسلوب الأسوأ على الإطلاق، فأنت به تكون قد أهديت من كنت يومًا تحب فوق ألم الفراق، ألم الحيرة والضياع والتساؤل، تسبّبت في إطالة مدة عذابه في انتظارك إلى أن يدرك أنك إنما أدرت الرحيل. جعلت كل اللحظات الجميلة في عينيه تنقلب شكًّا ووهمًا وكذبًا.. وأصبحت، بعد أن كنت في نظره ذاك الإنسان الرائع، شبه إنسان. لا شعور لديه ولا شجاعة ولا إحساس بالمسؤولية. هذا لا يليق بك
 
كما فرضت نفسك في حياته يومًا ودخلتها كالشخص الرائع المثالي الحلم، أخرج منها وأنت ذات الشخص، لا تهدم الحلم
 
لا تلجأ كذلك إلى المراوغة، وتصيّد أخطاء الطرف الآخر، تذكّر أنه في نهاية الأمر هو الطرف المتمسّك بالعلاقة والحريص عليها وأنت من يريد الرحيل
 
صارح بكل صدقٍ وشجاعة وأدب واحترام، وضّح الأسباب دون أي تجريح أو إهانة. وإذا لم تكن هناك من أسباب مقنعة لا تتعلّق بالطرف الآخر عندها تصبح المجاملة أو شيءٌ من الكذب أمرًا مُبرَّرًا من أجل تفادي إهانة الشخص وكسر نفسه، حتى لو اضطررت لأن تنسب لنفسك أسباب الانفصال. أهم ما في الأمر هو أن تُنهي العلاقة، بكل وضوح وصدق ودون أن تدع مجالاً للحيرة ولإبقاء الشخص معلّقًا بحبالٍ من وهم. لا يحق لأي أحدٍ ذلك، وحياة الآخرين ووقتهم وعاطفتهم ليست بالشيء الذي يستهان به
 
أكرر للأهمية، الخاتمة.. الخاتمة.. الخاتمة !! أسلوب إنهاء أي علاقة لا يقلّ أهمية عن أسلوب بدايتها، بل هو الأهم… فليكن بأدب ولطف وصدق ورقي. هذا أفضل وأرحم كثيرًا من ترك الطرف الآخر مع كمٍّ من الأسئلة التي لا تنتهي، وتبقى دونما إجابة لآخر العمر. الفراق والنسيان ومتابعة الحياة يصبحون أسهل بكثير…   لا تسبّبوا الألم لمن أهداكم يومًا قلبه وتتركوا جرحًا حيث زرعتم أجمل الأحاسيس
 
أما الآن فسأخص بالذكر الانفصال في حالة الحياة الزوجية.. أي الطلاق
مجتمعاتنا تفتقر وبشدة لأدب وأخلاقيات الطلاق الناجح
 
ما جعل الله الطلاق إلا ليكون حلاًّ عند استحالة الاستمرار في معادلة الزواج… ليس بالحل السهل أو الذي يستهان به فهو ينطوي على تحدّياتٍ كثيرة، وعليه فالأولى أن يتم بأسلوب راقٍ جميل، لا يضيف لتلك التحديات شعورًا بالمرارة والمعاناة، وكراهيةً لسنين مرّت من العمر
 
لا مكاسب تُجنى من تعرية من قرّرنا الانفصال عنه أمام نفسه ونكسر كبريائه ونهينه في محاولةٍ لاستجرار كلمة إقرارٍ منه بأنه الملام  والظالم و.. و.. و
 
عندما يتّخذ المرء قرارّا بالانفصال، عدا عن حالات الغضب والانفعال، فهو يتّخذه عن اقتناع بأنه لا يستطيع أن يُكمل مشوار الزوجية لأي سببٍ أو عددٍ من الأسباب… الهدف عندها يصبح في الخروج وإنهاء ذلك المشروع الذي ثبت إفلاسه بأقل خسائر ممكنة
 
الخسائر المحتملة في هذه العلاقات تتمثّل في الذّكريات، نظرة الشخص لنفسه وللطرف الآخر، نظرة المجتمع والآخرين لكلا الطرفين، وفي حالة وجود أولاد تضم القائمة كذلك أي تقلّبات قد تحدث في ظروف حياة الأولاد وتأثير الأمر على نفسيّاتهم
 
بمقارنةٍ منطقية بسيطة بين المكاسب والخسائر سنجد أننا فعليًّا بانتقامنا من الطرف الآخر، سواء بالفعل أو بالإهانة والتجريح لشخصه وسواء أمامه فقط أو أمام الآخرين، فإننا في واقع الأمر، وإن أرضينا غرورنا وهدّأنا من انفعالنا لفترة مؤقّتة، فقد ضاعفنا كثيرًا من خساراتنا
 
فما سنحقّقه من مكاسب لا يتعدّى قليلاً من التصفيق الحاد والتشجيع وبعضًا من كلمات “فعلاً معك حق” من “الجمهور الكريم”. هو ذاته الجمهور الذي سينتقد فيما بعد الأسلوب غير المتحضر الذي لجأنا إليه، والمفردات التي استعملناها، والتصرفات اللاعقلانية أو اللاأخلاقية التي قمنا بها. في حين أن أقصى ما نستطيع الحصول عليه من الشريك السابق هو اعتذار، ونفسٌ كسيرة مهانة لشخصٍ قررنا الانتقام منه، ستنقلب فيما بعد لتنتقم لنفسها ولمن أهانها بردٍّ مماثل أو أشد عنفًا، تتبعها جولةٌ لنا، وهكذا تتوالى الضربات في سلسلة لا تنتهي
 
نحن، وإن كنّا قد اتّخذنا قرار الانفصال نتيجة ظلمٍ أصابنا، فلنغادر بمنتهى الرقي، ولنغادر بسلام، لا أقول أن نتخلى عن حقوقنا وإن كان الثمن هو القليل من التنازلات فليكن في حال رأينا في الكفّة الثانية أذى كبير
 
من لن يمنحك حقّك بالأسلوب الراقي المهذّب بالتأكيد لن يمنحه بالأسلوب السيء المبتذل بل قد يكون التأثير معاكسًا. أتعجّب كثيرًا ممن يتناول طليقه أو طليقته بالذم وبسرد عيوبه أو عيوبها أمام الآخرين. أينتظر تصفيقًا على تحمّله عِشرةً لا تُطاق؟! شهادةً بتضحياته وعظمة صنائعه في مقابل ظلم شريكه، ارتفاع مكانته بين الآخرين ودنو مكانة الآخر، أم قلب حياته إلى جحيم؟  بعد سنوات لن يذكر ذلك الجمهور سوى أسلوب تعامله مع الانفصال، طريقته الراقية، وليكن هو صاحب الفضل وليكن الأعلى قدرًا
 
لا يوجد من هو معصومٌ عن الخطأ، لقد انتهى عصر الأنبياء. ومضت سنواتٌ من العمر نتيجة قرارٍ خاطئ بالزواج اتّخذنا مقابله قرارًا بالطلاق لتصحيحه. فليكن طلاقًا راقيًا يحفظ ماء الوجه للطرفين، ويحفظ كرامتهما ومكانتهما بين المجتمع الذي ولسخرية الموقف سيغفر للظالم وينسى ظلمه بعد فترة، لكن لن يغفر ولن ينسى مواقف الانتقام والابتذال التي صدرت من شريكه عند الانفصال. فلا تفرحوا بالتصفيق الحاد وكلمات التأييد فهي تصدر من متفرجين يتسلّون بمسرحيةٍ هزلية لن يمسّهم منها خيرٌ أو شر
 
فلنحرج ذاك الذي ظلمنا ونهجره هجرًا جميلاً، ولندعه يتجرّع الندم على فقدنا فتتمثّل أمامه أخطاءه في حقّنا لآخر يومٍ في عمره. كونوا أعلى شأنًا وأكبر قدرًا في كل لحظات ومواقف حياتكم
 
إن أعظم ألمٍ يمكن أن نسبّبه لأبنائنا هو دفعهم لكره واحد من آبائهم في الوقت الذي يطالبهم فيه دينهم بأن يودّوه ويحبّوه ويحترموه. أن نهدم صورة الأب أو الأم المثالية بالنسبة لهم، أن ننتزع منهم قدوتهم وتلك الرموز المثالية الجميلة التي يريدها كل طفلٍ عن أهله ، وأن نطبع في ذاكرتهم إهاناتٍ بحق أحد أبويهما، أن نتسبّب بموته وهو على قيد الحياة!! لا تُهدوا أبناءكم هذا النوع من الصراع النفسي، لا ذنب لهم في كلّ ذلك، ويجب وبأي ثمن أن يبقوا بمعزلٍ عنه. يكفيهم ما سيضطرون إليه من التأقلم وفق الوضع الجديد، فلا تجعلوا الأمر أكثر صعوبة. كما أنهم وإن أخذوا جانبكم اليوم فقد ينقلبوا إلى الجانب الآخر الذي أهنتموه غدًا، بعد أن يكون آخر ما طُبع في ذاكرتهم هو إهاناتكم التي وجهتموها للأب أو الأم وذكركم لهم بسوءٍ أمام الملأ. والأهم من كلّ ذلك هو أنكم عندما تشوّهون صورة الطرف الآخر أمام المجتمع، فأنتم في واقع الأمر تشوّهون صورة أبنائكم كونهم بيولوجيًّا وسواء شئتم أم أبيتم لهم من ذلك الطرف نصيبٌ من صفاتهم
 
!!أبناؤكم هم خسارتكم الكبرى
 
 
مزيد من مقالات ندى السمان اضغط هنا 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد