اعتدال

mainThumb

06-04-2021 11:14 PM

كانت مديرة المدرسة اعتدال تؤمن بأن مهمتها في هذه المهنة مهمة مقدّسة فقد ورثت واكتسبت هذا الإحساس مذ كانت طالبة على مقاعد الدراسة وكان ينمو هذا الإحساس ويترسخ في ضميرها على الأيام حتى بات لديها هاجسا يؤرّقها ليل نهار لدرجة أنها آلت على نفسها أن تكون الأمّ الحنون للطالبات والصديقة الصدوقة لزميلاتها من المعلمات وقد أبانت عن سريرتها حين قالت لزميلاتها حين اجتمعت بهن : نحن في مهمة مقدسة يسألنا الله عنها حين نقف بين يديه لذلك يجب أن لا تقف وعورة الطريق وطولها وتعدد مسالكها عقبة دون تحقيق ما نصبو إليه وأودّ منكن أن نتعاهد على ذلك وفعلا كان لها ما أرادت
كانت الدنيا فجرا حين تحركت الحافلة الصغيرة بهن ،وكان على السائق العجوز أن يقطع الطريق في ثلاث ساعات تلعب فيها الجغرافيا دورا رئيسيا ومهما كنّ اثنتا عشرة معلمة بالكاد كانت الحافلة الصغيرة تتسع لهن ولم يكن مسموحا لهن بفتح النوافذ أو التذمّر بصوت مسموع وكانت كلمات المديرة لا تزال تدوّي في آذانهن عن مهمة انتشال المجتمع من جاهل إلى متحضّر فآثرن الصمت وربما شيئا غير الصمت كالهروب إلى الحلم الذي يراودهنّ ولا أحد يستطيع أن يصادر منهن أحلامهن فهذا من أبسط حقوقهن
قالت اعتدال ذات الأربعة والعشرين ربيعا:
نصل إن شاء الله بعد ساعتين ... علّق السائق العجوز : هذا إذا لم تصادفنا السيول فالسيول في هذه المناطق جارفة ...ازدادت وعورة الطريق وتضاعف ترجرج الحافلة وندّت عن بعض المعلمات تعابير مبهمة قال السائق بعد هذا الوادي تستقيم الطريق ونصل طريقا معبدا.. ابتسمت المديرة اعتدال وابتسمن هنّ لابتسامتها بصدق 
كان السائق العجوز محنكا وماهرا في القيادة ولكنها الطبيعة العسيرة ..وصل الآن نهاية الوادي واستطاع أن يبلغ بالحافلة بداية الطريق المعبد وصل فعلا في اللحظة التي واجهته فيها شاحنة تطوف عن شاحنة وفكر السائق العجوز لا أمل البتة إلاّ بالهروب إلى الوادي وضع قدمه بقوة على دواسة البنزين وفي اللحظة التي مرت بها الشاحنتان تتسابقان بجنون على ذلك الشريط الضيق من الطريق كانت الحافلة الصغيرة تتقلب عائدة إلى الوادي التي قطعته قبل دقائق قليلة ...
قالت الأبلة اعتدال لزميلاتها اللواتي كنّ ممددات في المستشفى إلى جوارها بثقة لا حدود لها :لم يمت منا أحد كسورنا بسيطة والحمد لله أعدكنّ حين نخرج من المستشفى سالمات سوف أفكّر بوسيلة نقل أخرى.. هذا وعد....            
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد