الشعبوية في كفة أردوغان - فاتنة الدجاني

mainThumb

19-04-2017 01:37 PM

التجاوزات التي تردّد أنها شابت عملية التصويت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية لتغيير نظام الحكم في تركيا من برلماني ديموقراطي إلى رئاسي، لا تنفي أن نصف الناخبين، بزيادة قليلة أو ربما نقصان، صوّت بنعم لمنح الرئيس صلاحيات واسعة. ففيمَ تحديداً كان هؤلاء يفكرون عندما وقفوا أمام صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم؟
 
ربما اعترتهم قوميتهم وفكّروا في عظمة تركيا، وراودتهم أحلام استعادة أمجاد العثمانيين في سياق الرغبة في «توجيه صفعة قوية لأوروبا وتلقينها درساً»، أو هي الوعود بالاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي، أو التماهي مع المد الديني المتسارع في المجتمع. لكن، هل خطرت في بالهم تركيا الطامحة إلى الحداثة والديموقراطية والحريات، تركيا أتاتورك؟
 
هل توقّفوا لحظة للتفكير في ثقل المسؤولية الملقاة على أصواتهم، أو على الأقل لقراءة المواد الـ١٨ التي تخضع للتعديل، وتمنح الرئيس صلاحيات تنفيذية كاملة، كالتعيين في غالبية المناصب في الدولة من وزراء وسفراء وقضاة أو إقالتهم، وإصدار مراسيم، وحل البرلمان، ووضع الموازنة، ورسم السياسة، وإعلان حال الطوارئ؟
 
المدافعون عن التعديلات الدستورية لا يرون غضاضة في النظام الرئاسي، باعتبار أنه يتيح استقراراً سياسياً لفترة انتخابية كاملة، وتنمية راسخة، وهم واثقون بأن تركيا ليست في طريقها إلى الديكتاتورية وحكم الرجل الواحد وتراجع الديموقراطية، تماماً مثل دول أخرى تعتمد النظام الرئاسي بنجاح من دون أن تجنح نحو ديكتاتورية، ومثالها الولايات المتحدة.
 
لكن، ليس هذا ما يراه معارضو التعديلات، فلاعتماد النظام الرئاسي شروط ومتطلبات، ليس أقلها احترام الحريات كجزء أساسي من الديموقراطية، والأهم اعتماد نظام التدقيق في التوازن بين السلطات، والتأكد من وجود ضوابط ونظام للمحاسبة والمساءلة لئلا يصبح النظام الرئاسي غطاءً دستورياً وقانونياً للديكتاتورية.
 
استفتاء تركيا يستحضر بقوة الانتخابات الأميركية وفوز دونالد ترامب. التشابه لافت في طبيعة الناخبين، ففي الحالتين كان المؤيدون في الغالب من خارج المدن الرئيسة، ومن شرائح هي الأقل تعليماً والأكثر فقراً. ألم يتركّز معسكر الـ «نعم» في الجنوب التركي، فيما تركزت المعارضة في المدن الثلاث الكبرى، اسطنبول وأنقرة وإزمير؟
 
ولا تخلو المقارنة من وجه شعبوي يجمع بين الحال التركية والنموذج الأميركي ونماذج أخرى بينها الـ «بريكزيت» البريطاني، كما في أكثر من بلد في أوروبا حيث يُستنهض التيار الشعبوي. فتمرير التعديلات الدستورية التركية ارتكز على عناصر شكلت في مجموعها الحالة الشعبوية، أولها تنظيم الاستفتاء بما هو دعوة إلى تحكيم الاقتراع الشعبي، وحيث للشعب دور فاعل. تخلّل ذلك تأجيج عاطفي ومخاطبة رجل الشارع الى درجة التماهي معه ومع تطلعاته، واحتكار تمثيله. رافق ذلك عداء للنخب ومهاجمة المعارضة وأحزابها، إلى درجة اتهام بعض قياداتها بالخيانة.
 
حسمت الموقف تغذيةُ مشاعر الغضب والخوف لدى الناخبين الأتراك، من خلال العزف على الأوتار القومية، خلال الأسابيع الماضية، والتصعيد مع دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا وبلجيكا، واتهامها بالنازية والفاشية والعنصرية، ووعيد بـ «تلقين من يرفعون أصابعهم درساً قاسياً جداً». ورغم أن أردوغان كان أعلن أنه سيعيد علاقاته كافة مع أوروبا بعد الاستفتاء، إلا أنه واصل التصعيد معها، ربما بسبب تشكيكها في نتائج الاستفتاء وإشارتها الى مخالفات، إذ ألمح الى أنه قد ينظم استفتاء في شأن الانضمام الى الاتحاد الأوروبي.
 
الاستفتاء الدستوري انتهى، وأردوغان ربح مجدداً، وجدّد شرعيته عبر ثقة الشعب، وسيُصبح أقوى رئيس في تاريخ تركيا، وقد يصبح الرئيس الدائم حتى عام ٢٠٢٩. رجل الشارع سلّم بالسلطة المطلقة للرئيس وبشعاراته. وتركيا باتت على مفترق طرق.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد