تونس: الترويكا الثانية وبروفة ما قبل العزف المنفرد - أمين بن مسعود

mainThumb

08-11-2018 02:56 PM

 يبدو أن ما تخوف منه الكثير من المتابعين أثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة في 2014، في حال انتخاب أغلبية تشريعية من حزب نداء تونس مقابل انتخاب المنصف المرزوقي كرئيس للجمهورية، حصل اليوم عقب التحوير الوزاري الذي اعتمده رئيس الوزراء يوسف الشاهد دون استشارة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي.

 
فسيناريو التباين الحاد بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية أو ما يصطلح عليه في تونس بالصراع بين القصبة وقرطاج، بات جليا اليوم بعد أن أقدم يوسف الشاهد على قطع شعرة معاوية مع السبسي، والقارئ للتصريحات الصادرة من مؤسسة رئاسة الجمهورية يدرك حجم البون القائم اليوم بين السبسي والشاهد من جانب، وبين نداء تونس وحركة النهضة من جانب آخر.
 
ولن نجانب الصواب إن اعتبرنا أنّ رئاسة الجمهورية فقدت الكثير من رصيدها الرمزي ومن رأسمالها التوافقي وأضاعت زمام المبادرة في مسائل تشكيل الحكومات في تونس، بعد أن أفقدها الانحياز المشط لصالح شق في حزب النداء والاحتواء الناعم من النهضة ليوسف الشاهد الوزن التحكيمي والدور الطلائعي في المشهد السياسي.
 
فخلال 4 سنوات فقط، مرت رئاسة الجمهورية من وضعية الحاكم الفعلي إبان فترة حكم الحبيب الصيد، إلى وضعية الحاكم المشارك مع حكومة يوسف الشاهد الأولى والثانية، ومنها إلى الحاكم المشاهد لتطورات الحالة السياسية وتغيراتها دون القدرة على إيقافها أو تعطيلها أو تغييرها.
 
وبين الوضعية الأولى والتي كانت تعبر عليها معادلة “حكم الشيخين”، إلى الوضعية الحالية والتي تجسدها مقولة “الشيخ والشابين الاثنين”، يوسف الشاهد ومحسن مرزوق، تغيير في التوازنات والتحالفات وفي شخوص الفاعلين في المشهد الحالي.
 
قد يتقاطع التحليل مع بعض التصريحات الصادرة من حزب نداء تونس بأن التحوير انقلاب على نتائج انتخابات 2014، وأن مسار التغيير الوزاري لا بد له أن يسلك طريق المشاورة مع الكتل النيابية الكبرى سيما وأن الهدف المعلن للتغيير كامن في تسهيل عمل الحكومة وتوسيع حزامها السياسي، ولكن في الطرف المقابل هناك حقيقة كامنة في أن الخارطة النيابية تغيرت بشكل واضح وأن نداء تونس الذي كان يقود الحكم والحكومة في البلاد بات اليوم فقط رقما صعبا ووازنا ضمن المعارضة البرلمانية والسياسية.
 
المفارقة أن نداء تونس الذي رفض في 2014 تشكيل حكومة أقلية نيابية، مفضلا تحالفا مع النهضة، يرى بأم عينه كيف أنّ النهضة تقبل بحكومة أقليات نيابية وسياسية وانتخابية، لا مع التيارات اليسارية والقومية، بل مع بقايا الشتات وأجنحة الانشقاق عن النداء الأصلي.
 
لا يمكن لحركة النهضة أو من معها ضمن التحالف البرلماني الجديد، الزعم بأنّ “الترويكا الثانية” هي ترويكا ذات أغلبية برلمانية على غرار ما كان حاصلا في المجلس التأسيسي، ولا الادعاء بأنها ترويكا ذات حزام برلماني واسع، حيث إن التحالف الحاصل لا يمتلك غالبية الثلثين، ذلك أن التوصيف الحقيقي لها بأنها حكومة أقلية تتجاوز بصعوبة سقف نصف المقاعد البرلمانية. هنا تكمن الصعوبات التي ستطبع عمل الحكومة الجديدة، لا فقط في مستوى التصويت على مشاريع الميزانية، بل في مستوى الاستحقاقات القادمة.
 
من الواضح أن الحكومة ستعيش حالة تجاذب كبير، سواء داخل البرلمان الذي سيعرف زيادة لكتلة برلمانية معارضة وازنة، أو خارجه حيث لن تكون العلاقة مع رئاسة الجمهورية علاقة تعاون أو تشارك، ناهيك عن المكاسرات السياسية مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يلوّح بالإضرابات الجزئية والقطاعية والعامة، واتحاد الأعراف الذي وإن لم يصرح بمعارضته للحكومة القائمة أو المستقبلية، فإنه يضع يده على قلبه وجيبه خشية من زيادة جديدة في الضرائب على رجال الأعمال.
 
صحيح أنّه لا أحد من هؤلاء الأطراف يمتلك القدرة الإجرائية على منع منح الثقة للحكومة أو إسقاطها، حاليا على الأقل، ولكن في المقابل يصعب أن تُناط بحكومة “أقلية” محاطة بغالبية من المعارضات والتحفظات مسؤولية تأمين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وإيصال البلاد إلى المحطة الانتخابية القادمة في خريف 2019.
 
من الصعب أن تكون هذه السيناريوهات غير مرئية، جزئيا أو كليا، لدى يوسف الشاهد أو لدى محسن مرزوق أو راشد الغنوشي، فالمسارات معروفة والمعارضات معلنة قبل التحوير وبعده، ولكن يبدو أن الشاهد اختار المضي في الصراع مع السبسي الابن إلى أقصاه من خلال التخلص من الوزراء المحسوبين عليه واستقدام وزراء جدد تابعين لحزب مشروع تونس، وتحجيم دور الرئاسة.
 
عين النهضة على الانتخابات التشريعية القادمة، فالتجربة الحالية هي بروفة لحكومة النصف زائد قليلا، وفي حال تمكنت من الغالبية النسبية في الانتخابات القادمة فلن تتردد في تشكيل حكومة مع حليف تابع وليس شريكا قويا، وهي بروفة ما قبل العزف المنفرد فقد انتهى زمن الأجنحة ونظرية الطائر الوطني.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد