عجلون .. بين الواقع والطموح السياحي .. !! ج 1/2

mainThumb

02-06-2009 12:00 AM

سالم أحمد عكور
مما لا شك فيه أن السياحة تقوم على العلاقات الاجتماعيـة بين الدول ، ثم تقوم بتطويرها من خلال زيارات السياح ، فالسائح هو السفير الذي يوثق العلاقات بين الدول على أساس العلاقات الطيبة وحسن الجوار . فكلما ساد الوئام بين دول الجوار ازدهرت السياحة . ومن خلال السياحة الداخلية تزدهر قنوات الاتصال والجسور بين أفراد الشعب الواحد ، وبازدهار السياحة الدولية تزداد قنوات الاتصال توثقاً في ظل علاقات حسن الجوار .
تقع مدينة عجلون بين غابات السنديان وأشجار البلوط والزيتون والفاكهـة المختلفة ، في قلب المنطقة الخصبة التي تحف بها الأودية ذات الينابيع الغزيرة ، وفي وسط جبال عجلون عند أقدام جبل عوف الذي يطل عليها من الغرب ، هناك بين كسوة الغطاء النباتي الجميل وبين هذه التضاريس الخلابة وعلى ارتفاع 970 متراً فوق سطح البحر تقع مدينة عجلون .
تبعد مدينة عجلون عن العاصمة عمان بنحو 73 كم باتجاه الشمال الغربي تعبر من خلالها مدينة جرش الأثرية ( جراسا ) وسلسلة من الجبال والأودية المكسوة بالأشجار الحرجية والمثمرة . وتبعد أيضاً عن مدينة اربد نحو 32 كم جنوب غرب .
لقد لعبت عجلون عبر التاريخ دوراً كبيراً في العصور الوسطى في المجالين التجاري والصناعي ، فلقد كانت مركز حكم وفيها مركز للقضاء وجباة الضرائب وقوات عسكرية تقيم في قلعتها ، إضافة إلى الدور الاقتصادي والتجاري والثقافي المتميز في منطقة شمال الأردن . ولقد نالت حظاً وافراً في العصر المملوكي ، فجعلوا منها نيابة تابعة لمدينة دمشق وأحياناً جعلوها نيابة مستقلة يكون التعيين فيها من قبل السلطان بالقاهرة
ولقد فعل الظاهر بيبرس ذلك لأهمية منطقة عجلون وقربها من دمشق العاصمة الثانية للدولـة المملوكية ، وبسبب مزاياها الإستراتيجية والاقتصادية .
نلاحظ أنه وبسبب هذا الاهتمام بمدينة عجلون في العصر المملوكي ، أنها بلغت الدرجة القصوى من التقدم العمراني والثقافي والاقتصادي ، فالرحالة ابن بطوطة مر بها في القرن الرابع عشر الميلادي ووصفها في كتابه " تحفة النظار في غرائب وعجائب الأسفار " قائلاً : ( ثم سافرت إلى مدينة عجلون وهي مدينة حسنة ، لها أسواق كثيرة ، وقلعة خطيرة ، ويشقها نهر ماؤه عذب ).
وكذلك وصفها أبو الفداء " إسماعيل بن علي بن شاذي ، الملك المؤيـد ، عماد الدين ، أبو الفداء " عن مؤلفه " تقويـم البلـــدان " بما يلي : - ( عجلون حصن وربضه يسمى الباعوثة .والحصن عن البلد شوط فرس . وهما في جبل الغور الشرقي قبالة بيسان . وحصن عجلون حصن منيع مشهور يظهر من بيسان . وله بساتين ومياه جاريـة . وهو شرقي بيسان . وهو حصن محدث ، بناه عز الدين بن أسامة من أكابر أمراء السلطان صلاح الدين ) .
وقال فيها أيضاً الدمشقي " شمس الدين أبو عبد الله بن أبي طالب الأنصاري الصوفي " في كتابه " نخبة الدهر في عجائب البر والبحـر " ( مدينة عجلون ، وفيها حصن حسن حصين . وفيه مياه جارية ، وفواكــه كثيرة ، وأرزاق غزيرة . وهو مشرف ، يُرى من مسيرة أربعة أيام ) ...!!
إضافة وتتمة إلى ما ذكرنا في الجزء الأول .. يعتبر حصن عجلون " قلعة الربض " من المواقع الأثرية الهامة في الأردن بشكل عام وفي شمال الأردن بشكل خاص ، حيث تتمتع بموقع إستراتيجي مميز جعل منها نقطة اتصال هامة في العصور الوسطى .
وعلى يد القائـد عـز الديـن أسامـه وبأمر من الملك الناصر صـلاح الديـن الأيوبـي في الفترة من 1184-1185م ، وعلى ذلك المرتفع الشاهق الذي عرف باسم " جبل عوف " المطل غرباً على جبـال نابلس والقدس ، أنشئت قلعة الربض " حصن عجلون " . وكان الهدف من إنشائها بنوع خاص ، لمراقبة تحركات الصليبيين المتمركزين في الكرك وبيسان ، والمحافظة على الاتصال ببلاد الشام .
وبعد وفاة القائد عزالدين أسامة ، طرأ عليها توسعة من الناحية الجنوبية ، أحدثها أحد أمراء الخليفة المالك المعظم أيبك ابن عبدالله عام 1214-1215 م . ويحيط بالقلعة خندق بعرض ستة عشر متراً وبعمق اثني عشر متراً .
عندما انهزم الصليبيين عام 1187 م على يد الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي ، فقدت هذه القلعة أهميتها العسكرية وأهملت ، ثم أصبحت مقراً لحاكم إداري خاضع لدمشق .
ولقد كانت قلعة عجلون قد تعرضت إلى سلسلة من الهزات الأرضية في عام 1837 م وعام 1927م ، فيما بعد خضعت لبرنامج إعمار وترميم نشط ، لإعادة ما يمكن إعادته .
الآن تعانق هذه القلعة المجيدة السـماء .. وتتكحــل بخضـرة أشـجار الزيتـون و البلـوط والسنديان .. وهوائهـا النـدي القادم عبر وادي الأردن .. وإطلالــة فلسطين الصامدة ، رحيق زهرها يعبق في المكان ..!!
لم تقتصر الآثار في عجلون على القلعة فحسب ، بل هناك الكثير من المواقع التي تم الكشف عنها في ضواحي مدينة عجلون . على الرغم من أنها لم تكن آثاراً مثيرة ، إلاّ أنها أظهرت بقايا أثرية تعود إلى العصر البرونزي الأول وإلى العصور الرومانية والبيزنطية والعربية .
مثال ذلك قبور الدولمن والأنصاب في منطقة السليخات ، وكذلك عثر فيها على قبور ومعاصر للزيتون وبقايا من الأعمدة والتيجان من الطراز الأيوني وعلى بعض القطع الفخارية التي تعود إلى العصرين البيزنطي والعربي .
كما وعثر في " خربة الوهادنة " على معاصر للعنب والزيتون وعلى قبور وبقايا أعمدة ، وتكثر فيها الفسيفساء البيضاء والملونة ، وتعود هذه الآثار في مجملها إلى العصر البيزنطي بشكل خاص . ولقد برزت مثل هذه البقايا من الآثار في عين جنة ومحنا ومار الياس ولستب وباعون وعرجان وأوصرة .. .
إنه ومن خلال ما تقدم ذكره ، يبين لنا الأهمية التاريخية التي كانت تتجلى فيها هذه المدينة عبر العصور المختلفة وفي كافة المجالات المتعددة .
والواقع الحالي لمدينة عجلون ليس بعيداً بالمفهوم العام عن الواقع التي كانت تمتاز به عبر التاريخ . فبالنظر إلى ما قاله الرحالة العظام في مدينة عجلون ، ووصفهـم لها . نستدل منها أن مدينة عجلون تحتضن أهم الحصون في التاريخ ، وإطلالة استراتيجية متميزه ، وأسواق كثيرة مما يدل على أهميتها الاقتصادية ، والطبيعة الخلابة والينابيع الكثيرة وبساتين ثمارها متعددة وتضاريس خلابة ..الخ .
هذا هو واقع هذه المدينة العريق عبر التاريخ . ولكن ما مدى تطابق هذا الواقع مع الواقع الحالي ؟ . ليس بعيداً ذلك الواقع الذي وصفه الرحالة العظام ، عن الواقع الحالي الذي هي عليه الآن من حيث التضاريس والطبيعة الجميلة وموقعها الاستراتيجي ، إلا أنها فقدت شيئاً من الواقع القديم هو الجانب الاقتصادي والتجاري ، ألذي أصبح بعيداً كل البعد عما كانت تتمتع فيه عبر التاريخ .
أما مقومات السياحة في عجلون … !! فمما ذكر ، يتضح لنا أن مدينة عجلون تتمتع بأهم مقومات السياحة التاريخية والثقافية والترفيهية وسياحة الاستجمام ، وذلك من حيث توافر المواقع الأثرية والمناطق الهامشية التي توفرها الطبيعة من غابات خضراء وجبال وهضاب وأودية ، ولوقوعها في المناطق شبة الرطبة " تتراوح نسبة الأمطار فيها بين 500 و 800 ملم ، وتعتبر من المناطق الأكثر مطراً في الأردن " ، وكذلك نجد فيها أفضل نماذج لأحراج البحر المتوسط ، حيث أشجار الصنوبر الحلبي وأنواع البلوط والبطم التي عانت الكثير من جور الإنسان ، ومناخ مميز و مفضل لمواسم السياحة الصيفية التي تكون فيها درجة الحرارة عالية في مواقع مختلفة من الأردن ..!! وللحديث بقية في ج2
akoursalem@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد