في ساحة الفضائية

mainThumb

11-10-2009 12:00 AM

جلس?Z في صدر المجلس منتشيا وتجمع بجانبه الأولاد والبنات والزوجة، يمسك بيمينه الهاتف ويخفي أداة التحكم بالتلفاز في جيبه! يتفرس في الشاشة، يقرأ الشريط في أسفل الشاشة بنزق، يعظ على شفتيه، يتأفف، لماذا هو بهذه العجلة؟ - يأتيه صوت خافت من حوله: ليس سريعا أنت بطيء في القراءة، لا يعيره انتباها ويتابع التفرس.. فجأة ( أيه، شو! اسم مين هاظ ، مين باعث!؟.. استنوا) وينتظر عودة الكلمة، ينتظر عودتها مرات ومرات.. في المرة الأولى يقرأ كلمة، ويتحقق منها في المرة الثانية وهكذا كل كلمة تحتاج لدورتين للشريط، ودورتين لتجميع الجملة، وقراءة الرسالة كاملة - بعد قراءة كل كلمة على حدة- يتطلب عشر دورات، وعندما يفهم الأمر - بعد التأفف وانتظار عودة الرسالة مع ما يتخللها من شتائم- يرفع صوته مستهزئا من صاحب الرسالة- يا سلام ابن فلان!! هسا أوريك- ويمتشق جواله، ويستل يده ليكتب رسالة على أنغام أغنية محرضة على العنف و"الهوش" مثل الموت الاحمر....ونقلع العين... وغيرها، فيشعر خلالها أنه الفارس المغوار والبطل الهمام، المعتلي فوق الناس، لا يجاريه أحد ولا يدانيه قائد، يسوق الناس وهو جالس أمام الشاشة ويقاتل الدنيا برسالة!.. كتب عدة رسائل من وحي الأغاني والصور الحماسية التي تجعله يحلق في فضاءات لا نهائية من التصورات والأوهام التي تريه أنه أول وآخر واحد في الدنيا، يملك جبروت دبابة وصولة طائرة مما يرى في الساحات أمامه.

هو في بيته البسيط في غرفة بسيطة، لكنه برسالته هذه التي تقطر عزا وجبروتا فوق البشر، ومرورها أمامه يجعل الدماء تتدفق حارة في أوصاله، وقف شعر رأسه وشعر أنه يركب حصانا مجنحا يرتقي به في السماء وعدسات الفضائيات تلاحقه، والخلق كلهم مجتمعون مشدوهون بين مبسوط ومقهور، وهو يرفع أنفه عزا بمكانه من الفضائية، وفعله العظيم الذي فعله الآن.

لقد فعل ما لم يفعله الأولون والآخرون، شفى نفسه من كل الناس وارتقى فوق رؤوسهم رغما عنهم... ونسي هذا المغوار أنه حرم زوجته وأولاده من أشياء كانوا ينتظرونها في التلفاز! واستأثر بكل المشهد وتجاهلهم وهو يرى أعينهم تجلده بسياط الغيظ!..

لم يأبه لهم وهو يعتلي صهوة جواده في المعمعة، اتكأ يمينا ويسارا وجلس معتدلا وهو يتابع تحديثات الشريط، فيثور تارة ويهزأ أخرى، لكن سرعان ما أسقط بيديه عندما أخبرته شركة الاتصالات أن رصيده لا يكفي لإرسال رسالة! حملق في جواله ثم الى الشريط! ... رأى الخيول تتسابق وفرسه معقورة، انكسر قلبه نفخ حتى أفرغ رئتيه من الهواء، ضرب بيده على فخذه بقوة... ثم جرّ نفسه المهزومة ذاهباً إلى فراشه حانقا مما حدث له! وضع رأسه على مخدته، فكر في رصيده الذي ذهب هدرا في نشوة كاذبة، خيوله هلامية المعالم تلاشت في الظلام، ترددت في رأسه أصداء باهتة لأغنياته، تنهد.. لا يدري أمن ألم أم من أمل، استعصى عليه النوم  ، عالجه حتى أتاه، وراح في الكوابيس..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد