المتانة المالية للبنوك وللاقتصاد الأردني

mainThumb

05-05-2024 09:31 PM

تعد المتانة المالية للبنوك الأردنية ضرورة لبعض الجوانب الأساسية للاقتصاد، لأن سلامة القطاع المصرفي الأردني يساهم بشكل كبير في الاستقرار المالي والاقتصادي، ويستخدم مصطلح المتانة المالية في البنوك بشكل عام للإشارة إلى الاستقرار المالي أو سلامة الأعمال المصرفية والمالية في البنوك والقطاع المصرفي، ومؤشرات المتانة المالية هي مؤشرات كمية تستخدم لتقييم وفهم أداء البنوك وصحة أوضاعها المالية.

وقد أظهر القطاع المصرفي الأردني، خلال الازمات المالية العالمية، استقرارا ماليا، وأنه على قدر كبير من المتانة المالية والمرونة، وخاصة بعد جائحة كورونا وما شهده العالم من انهيارات في البنوك الامريكية نتيجة تشديد السياسة النقدية، وأهم ما يميز القطاع المصرفي الأردني أنه مزيج من البنوك التجارية التقليدية والبنوك الإسلامية، حيث يتكون من 12 بنك تقليدي أردني و3 بنوك إسلامية أردنية، و 5 بنوك اجنبية عاملة في الأردن، وهذا التنويع في البنوك الأردنية أعطى القطاع المصرفي الأردني مرونة أكثر وقدرة على تحمل وتقليل المخاطر، كما تعد الخصائص الرئيسية للبنوك الاسلامية، والتي تتمثل في دعم المعاملة للأصول الحقيقية ومبدأ تقاسم الأرباح والخسائر من العوامل التي ساهمت في استقرار القطاع المصرفي الأردني.

كما أن البنوك الأردنية ملتزمة بمتطلبات رأس المال بازل 3، التي تنص على أن يكون رأس مال البنوك مساوي أو أكثر من 8%، والبنوك الأردنية تحتفظ بمستوى مناسب من رأس المال يساوي 17.9% لعام 2023، وهي نسبة تدل على متانة البنوك الأردنية، ويلعب رأس المال الكافي لدى البنوك دور مهم من حيث أنه يعمل على تأمين السيولة اللازمة وبالتالي يدعم أنشطة البنوك، ويعمل كمنطقة عازلة يمتص الخسائر لأنه يغطي قيمة الأصول في حال انخفاضها من دون أن تصبح البنوك معسرة، مما ينعكس بشكل إيجابي على حماية أموال المودعين ويحد من استخدام التأمين على الودائع.

وارتفاع كفاية رأس مال البنوك الأردنية، كما ذكرنا سابقا، انعكس بشكل إيجابي على نسب السيولة القانونية التي تمثل قدرة الاحتياطيات الأولية والاحتياطيات الثانوية (الأرصدة النقدية والأرصدة شبه النقدية) على الوفاء بالالتزامات المالية المستحقة على البنوك في جميع الظروف والحالات، وقد بلغت نسبة السيولة القانونية في البنوك الأردنية نسبة 142.5% لعام 2023، وهي نسبة مناسبة تدل على متانة البنوك الأردنية وقدرتها على سداد التزاماتها.

ويقوم عمل البنوك، بشكل عام، بدور الوساطة المالية بين المودعين والمقترضين، بمعنى أن البنوك الأردنية تستقبل ودائع من العملاء وتقوم بتقديم التسهيلات الائتمانية للمقترضين، ومن خلال هذا الدور تحصل البنوك على فرق الفائدة أو هامش الفائدة، والبنوك الأردنية في هذا الجانب تظهر متانة مالية عالية، فقد نمت ودائع العملاء خلال عام 2023 بنسبة 4.4% لتصل الى 42 مليار دينار، وارتفعت الودائع في البنوك الأردنية في شهر فبراير لهذا العام 2024 الى 44.3 مليار دينار، كما نمت التسهيلات الائتمانية بنسبة 2.7% لنفس عام 2023، ووصلت التسهيلات لشهر فبراير لهذا العام 2024 الى 33.7 مليار دينار، وقد حققت البنوك الأردنية هامش الفائدة الى اجمالي الدخل بنسبة 79.3%، وهذا يشير بشكل واضح على كفاءة ومتانة البنوك الأردنية.

وفي ظل تشديد السياسة النقدية التي يتبعها العالم بقيادة الفيدرالي الأمريكي، فقد اتجهت البنوك الأردنية الى رفع معدلات الفائدة لسببين: الأول لتقليل معدلات التضخم حيث انخفض من 4.2% لعام 2022 الى 1.7% في الربع الأول من عام 2024، والثاني لتحافظ على الاحتياطي الأجنبي ومنع هروب الأموال الساخنة من بنوكها، وفي ظل ارتفاع معدلات الفائدة نسبيا، فقد حققت البنوك التجارية الأردنية متوسط عائد على الموجودات نسبة تتجاوز 1% لعام 2023، وعائد على حقوق المساهمين نسبة تتجاوز 9% لنفس العام.

وبالرغم أن معدلات الفائدة المرتفعة عملت على تباطؤ الاقتصاد العالمي، الا أن الاقتصاد الأردني يتصف بالتنوع حيث يعتمد الناتج المحلي الإجمالي الأردني على قطاع الخدمات بنسبة 66% وقطاع الصناعي بنسبة 29% وقطاع الزراعة بنسبة 4.5%، وبالتالي هذا ساهم في صمود الاقتصاد الأردني، وقد استطاع أن يحقق معدلات نمو اقتصادي حقيقي بلغ 2.6% لعام 2023، مرتفعا بنسبة 0.2 نقطة مئوية عن مستواه المسجل في العام الماضي، لتصل الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي الى مستوى قياسي جديد بلغ 19.1 مليار دولار في نهاية الربع الأول من هذا العام، لتغطي مستوردات الأردن لمدة تزيد عن ثمانية شهور، وهذا مؤشر على متانة الاقتصاد الأردني في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم من تباطؤ اقتصادي وتعرقل في سلاسل التوريد وتزايد في المخاطر الجيوسياسية.

ونستنتج مما سبق، أن البنوك الأردنية والقطاع المصرفي والاقتصاد الأردني سليم ومرن ويتمتع بمتانة مالية عالية، ولا بد من الإشارة الى أن معدلات الفائدة التي تصل الى 7.35% على الودائع في البنوك الأردنية تعد نسبة مرتفعة مقارنة مع الفائدة الموجودة على الودائع في كثير من دول العالم، وبالتالي تخفيضها بمقدار 1% لتصل الى 6.35% يمكن أن تساهم بشكل كبير في دفع عجلة الاقتصاد وزيادة النمو الاقتصادي من جهة، وزيادة التوظيف وتقليل نسب البطالة في الأردن من الجهة الأخرى، إضافة الى المحاولة على دمج بعض البنوك الأردنية التقليدية يمكن أن يزيد من متانة القطاع المصرفي الأردني.

ولكن في ظل سياسة التشديد النقدي التي ينتهجها الفيدرالي الأمريكي وتثبيت معدلات الفائدة على مستويات مرتفعة، ووجود المخاطر الجيوسياسية التي تعرقل تطور ونمو بعض القطاعات، يبقى التحدي الأكبر أمام الاقتصاد الأردني، كيف يمكن أن نستفيد من المتانة المالية للبنوك التجارية وللاقتصاد الأردني لينعكس على تخفيض خدمة الدين العام الذي وصل في عام 2024 الى 1.980 مليار دينار؟ وكيف سيساهم الاقتصاد الأردني في حل مشكلة البطالة المرتفعة في الأردن؟ هذا يتطلب من المسؤولين الاقتصاديين في الأردن الى إيلاء اهتمام أكبر والبحث عن طرق لرفع نسب النمو في الأردن على جميع المستويات سواء على مستوى المناطق أو القطاعات لجذب الاستثمارات التي تشكل رافعة أساسية في زيادة نسب النمو وتقلل من نسب البطالة.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد