التجربة الديمقراطية العُمانية

mainThumb

12-12-2009 12:00 AM

تُعدُّ التجربة الديمقراطية في سلطنة عمان في مقدمة التجارب الديمقراطية في دول الخليج العربي، ومن التجارب الديمقراطية الفريدة في التحول الديمقراطي البطيء والمتدرج في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وذلك لما تتميز به عمان من مزايا تختلف عن بقية دول المنطقة، تتميز التجربة الديمقراطية العُمانية بعدد من الخصائص التي تشترك بها سلطنة عمان، ودول الخليج، والدول العربية بشكل عام، وقد لا نبالغ كثيراً إذا قلنا إنّ?Z دول العالم الثالث بشكل عام تشترك في هذه الخصائص، ولعل أبرز ما يميز التجربة العُمانية ما يلي:

- الدور المركزي للقيادة السياسية، وعلى رأسها السلطان قابوس، في قيادة المسيرة الديمقراطية، إذ استطاع بحنكة سياسية أن يوطد حكمه في البداية بتأمين الجبهة الداخلية، وتحقيق الأمن والاستقرار، ثم أطلق مسيرة النهضة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بوتيرة متسارعة، وأخيراً، السياسية بخطوات متأنية ومتدرجة، بحيث لا يتعرض النظام السياسي لتغييرات سريعة ومفاجئة تؤثر على استقراره.

- الانفتاح السياسي المتدرج والحذر، ومحاولة التوفيق ما بين الثوابت في القيم والتقاليد في مجتمع قبلي، ومتطلبات الحياة العصرية، فقد بدأ التحرك الديمقراطي مبكراً منذ عام 1981م، ولكن بطريقة تدريجية وبجرعات مخففة لا تحدث ضرراً للنظـام القائـم، خصوصاً في حالة القفز وحرق المراحل، فالعملية بدأت متواضعة، ولكنها لم تتوقف أو تتراجع، وإنما تسير إلى الأمام، وإن كانت بخطى بطيئة.

- التكامل بين عناصر التنمية المختلفة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فقد بدأت عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية مبكرة، ونظراً للإمكانات التي يوفرها النفط والغاز، فقد تم بناء بنية تحتية متقدمة مهدت الطريق لعملية البناء الاجتماعي والتحول الديمقراطي.

- قابلية الاستمرارية في التطوير والتحديث، ولاسيما بعد تبني دستور مكتوب، والالتزام بالاستمرار في إجراء الانتخابات في مجتمع يتقدم بخطى حثيثة في مجالات التعليم والصحة وتمكين المرأة، وفي ظل ظروف دولية مواتية لنشوء الديمقراطية وتعزيزها، واحترام حقوق الإنسان.

?Zالتجربة الديمقراطية في عمان لا تزال في مراحلها الأولى، وهي تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد، وتعاون القيادة و المجتمع، ممثلا بهيئات الحكم المحلي ومنظمات المجتمع المدني، للانطلاق معا لتطوير هذه التجربـة وتفعيلهـا، فـالديمقـراطيـة لـيست مجرد إجراءات ومؤسسات سياسية: دستور، ومجلس استشاري، وانتخابات دورية، إذ لا بد من توفر ثقافة سياسيـة، ومجموعة من القيم والاتجاهات والمشاعر، التي تشجع على الممارسة الديمقراطية الفاعلة من جانب الحكام والمحكومين. التجربة الديمقراطية العُمانية شأنها شأن كثير من تجارب التحول الديمقراطي في كثير من دول العالم الثالث، لا تزال في مرحلة مبكرة من مراحل بناء النظام الديمقراطي المكتمل، وبالتالي فإن هذه التجربة تواجه الكثير من التحديات والعقبات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية المحلية، وكذلك بعض التحديات الخارجية التي تفرضها ظروف إقليمية ودولية، قد تؤثر سلباً على المسار الديمقراطي

التجربة العُمانية تقدم مثالاً رائعاً على مرونة نظام الحكم، وإن كان أقرب إلى الملكية المطلقة على قدرته في التطوير والتحديث. لقد قاد السلطان قابوس دولة عمان والمجتمع العُماني المحافظ نحو التحديث بخطوات ذكية هادئة ومحسوبة، وذلك لتجنب أية مفاجآت أو تغيرات جذرية غير مقبولة في مجتمع محافظ، وبالرغم من بعض المثالب للديمقراطية العُمانية، ومنها غياب الأحزاب السياسية، وضعف دور المجلس التشريعي، والقيود المفروضة على حرية التعبير، إلا أنه يمكن القول إن هذه التجربة قابلة للتطور والنضوج، ولا سيما إن الشعب العُماني بفضل ما أحرزه من تقدم، حيث أصبح مؤهلاً للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياته ومستقبله.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك

mohammedtorki@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد