ساعي البريد .. بين الأمس واليوم .. !!

mainThumb

06-07-2009 12:00 AM

م . سالم أحمد عكور
لم يعد ساعي البريد بذاك الرجل الذي يجلب لنا الأخبار السارّة عن أبناءنا وأعزاءنا في بلاد الغربة ، أو نقل أشواقنا لهم عبر كلمات سطرت على صفحات من الشوق والحنين محلقة فوق البحار والصحاري قاطعة المسافات الطوال عبر هذا الكون لتصل ليد الناقل الأخير الذي لقب ب " ساعي البريد " ليقوم بدوره بنقل هذا الشوق المخزن داخل مغلفات ورقيه خفيفة الوزن ثقيلةٌ بالمعنى الذي جاد به الشوق الملتهب للأهل والحنين لثرى الوطن ..!!
وتعود بيّ الذاكرة إلى جماليات عقد السبعينيات بينما كنت في المملكة المتحدة ، حيث كان لكتابة الأشواق أو قراءتها عبر الرسائل مع الأهل ، الوسيلة الوحيدة التي تخفف علينا عناء الغربة عنهم وعن الوطن .. وما سبق عقد السبعينيات من عقود لم نعيها بصورة جليّة إلاّ من خلال من عاصروها ، والتي امتلأت ببساطة الإنسان وعيشه ، وما كانت تحوي سنوات تلك العقود بين ثنايا أيامها الجميلة من تفاؤلٍ قادم وسرور حاضر دؤوب .. وحنين مفعم للغائبين .. وبإشراقة شمس كل صباح ، يكون الانتظار لطلّة " ساعي البريد " هي الأمل الذي يكسر سمة طول الانتظار لسماع أخبار أحبة لنا وأعزاء على قلوبنا عبر ذاك الساعي الناقل الأمين والوحيد لأشواقنا وأشواقهم عبر مساحة الكون المترامي الأطراف ..!!
ولم نتخيل في تلك الأيام ونحن في تلك البلاد ، أنه سيأتي يوم تكون سرعة الاتصال والتواصل بين الناس كما هيّ عليه في أيامنا هذه .. حيث كانت سرعة التواصل والاتصال بين الناس تحتاج إلى استئصال المرارة لتحمل عناء الانتظار ، الذي كنا نعد الساعات كأنها أيام والأيام أشهر والأشهر سنوات ، إلى أن يأتي ساعي البريد ليطفئ ظمأ شوقنا ، ويريحنا عناء طول انتظار .. وأصبحت التكنولوجيا بشبكاتها العنكبوتية والأقمار الاصطناعية طاغية بل حوّلت مهنة المراسلات إلى طرق أكثر سرعة وأكثر تقنية وتطور ..!!
أما في أيامنا الحالية ، تحولت تلك المهنة " ساعي البريد " من مهنة اجتماعية تتعامل مع هموم الناس وإطفاء شوقهم ، إلى مهنة مطالبات مالية .. ما أن يأتيك الساعي بفاتورة الكهرباء ، ليلحقه الآخر بفاتورة المياه ، وآخر بفاتورة الهاتف وآخر .. وآخر .. بالتالي أصبح ساعي البريد جابياً للفواتير والمطالبات المالية وجالباً للهم والغم ..!! akoursalem@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد