من جذور العصامية (2)

mainThumb

29-11-2008 12:00 AM

وفي العطل الصيفية، كنا ومنذ بدايتها نقضي معظم الوقت مع أبناء خالتي دون أبناء عمومتي!، وهذا أمر طبيعي في علاقاتنا نحن على وجه الخصوص لأن إلتصاقنا مع والدتنا، أطال الله عمرها، أدى الى إعلام موجه فعال من حيث من ينبغي أن نحب ومن لا نحب لأن جهة (طرف) الأب التي تتضمن الحمو، الحماة ،أبناء وبنات الحمو وأبناؤهم كانت تشكل جبهة واحدة ضد إمي ... أمر تفرضه الطبيعة لربما أو هكذا توارثت الاسر ذاك العداء المقيت!.

كان بيت خالتي، يرحمها الله، يبعد بضع خطوات عن بيتنا. إن قصر المسافات بين بيوت الناس وقتذاك (1961) كان أحد الاسباب الرئيسية التي ساعدت على حفاظ الناس على عاداتهم وتقاليدهم وخبراتهم وقيمهم (ثقافتهم) البسيطة غير المعقدة وديمومة الاتصال وبأقل التكاليف والمظاهر.

أذكر أن أمي والجارات كانوا يتهادون أكياس صغيرة من السكر (وزن ثلاثة كيلوغرامات) أو الرز او القهوه (بالأوقية) كهدايا مجاملات.

ذهبت مرة مع أمي، النحيلة القوام، الحنطية اللون ذو الوجه الجميل شبيهة خالتي، لتبارك لإحدى الجارات بمولودها الجديد وكانت من إجراءات تكريمنا والحفاوة بنا تقديم صحون صغيرة من الحلاوة (حلاوة الطحينية)، وقد علمت لاحقا أن سبب ذاك التكريم لأن المولود كان ذكرا وإلا كان يمكن إقتصار الضيافة على الشاي بالقرفة وحبة( توفي) إنجليزية بطعم السوس فقط لو كان المولود أنثى !!.

كانت تنتابني حالة ألصرع عندما أشاهد علبة الحلوى، وأحرج أمي مع كل النساء... كنت لا أرضى بأقل من (كمشة/قبضة كبيرة)، وكانت أمي تهددني بعدم أخذي معها في المرات القادمة ،وكنت أظل أراقبها... ومتى لبست إستعدادا للزيارة أتعلق بملابسها وأبدأ بالنحيب والتهديد، وكانت سريعة الرضوخ !!. كان خال أمي (أبو الراغب) ، يرحمه الله، يسكن في أحد أرقى أحياء العاصمة عمان وقتذاك (جبل الحسين)، فقد كان رجل أعمال ثري جدا ووجيه إستنادا الى عدة معطيات وأسس كان من بينها الثراء ، وكان مهيبا بطلته بالقمباز العربي، جسده متوسط الملاءة، ، وله وجه بهي، وجبهته مضيئة تأخذ لب الناظر اليه، ويده اليمنى دافئة وحنونه وسخية سخاء نادرا جدا هذه الايام. وكنا نحن يعانقنا خط الفقر المقيت مع تنفس كل صباح .

وكانت أمي وخالتي على صلة دائمة بخالهما الذي كان يصر دائما وبإلحاح على حضورهما يوم الجمعة من كل إسبوع على الأقل، وكانت زوجته ، وهي إبنة أحد شيوخ عشائر السلط وعلى قدر كبير من الجمال بقي معها الى أن توفاها الله، يرحمها الله، تصر على أن تأخذني أمي أنا بالذات معها في كل زيارة، وكانت تداعبني بحنان عجيب، وتطلب مني أن أروي لها قصص شقاوتي في المدرسة، وعرض بعض رسوماتي عليها، وسرد مغامراتي أنا وأولاد حاراتنا الاشقياء مع العقارب والسحالي و الافاعي والكلاب والحمير وسرقة بيض دجاج الجيران، وتكافئني عن كل قصة بقبضة سخية من الحلوى الموضوعة على طبق من فضة حقيقية... وقتذاك !.

كانت تشعرني أنني نجما نجيبا ذكيا وتشجعني على تجميع قصص وروايات أكثر للمرات القادمة، كان شعرها أجعدا ولها عقل راجح ووهبت أصغر فم رأيته في حياتي ،عليه إبتسامة دائمة غامضة.

كنت إحدى وسائل الإعلام المسلية وأللطيفة لزوجة خال أمي والحضور ، خصوصا وأن التسلية الوحيدة وقتذاك كانت محصورة في اللقاءات الاجتماعية، حيث كان البث التلفزيوني قصير المدة للذين لديهم إمكانية مادية للحصول على جهاز مثل عائلة خال أمي .

كان لدي إحساس بأنه ينبغي علي التجديد في كل مرة للمحافظة على مكانتي وحيزي من الجلسة، وكنت أتجنب التكرار ولا أفعله إلا بناء على الطلب، حيث لاحظت مدى إستيائهمن من النساء الممللات اللواتي يكررن قصصهن غير الممتعة والعادية مع كناينهن أو مع سلفاتهن أو حمواتهن أوالجيران، كانت لدي أداة تسجيل مهمة في تلك الفترة.... هي الذاكرة، ولم أجري إعادة للقاءات وأحاديث أمي مع الجارات إذا لم تكن الحلقة مشوقة ! ! !.

على سبيل المثال، كانت جلسات أو أحاديث جارتنا أم صبري المراة الممتلئة القصيرة.... ،الاسماء على هذه الشاكلة كانت جميلة جدا بالنسبة للناس وقتذاك مثل : صبري – درويش – صبحي – فهمي – شفيق – خلوي – سليمان – أيوب – عويضة – سلمان – حسني – عواد – راجي – مرتضى، مملة جدا، خصوصا إذا كان الحديث عن خطبة بنت أو ولد لقريب لها، وتورد مثلا مع كل عبارة تقولها مثل: سمرة ونغشه، ولا بيضة ودفشه –خدها بيضه ولو إنها مجنونة – خود الحلو وأقعد قباله، وإن جعت شاهد جماله - لما بيقع النصيب من السما بنصاب الخطّاب بالعمى – بدك تطرد صهرك غلي مهرك - إللي بدو يصاهر ما بيقاهر – يا محلى العرس، ويا مصعب طقاطيقه – عرس المجانين في الكوانين – الجوز رحمه ولو كان فحمه – زوان بلدنا ولا قمح الغريب – قبل ما تناسب حاسب – وأخيرا كيد النسا ما حدا قده، لو مال على حيطه هده.... والمشكلة أن صوتها كان حادا وعاليا... ولم تعجبني في شيئ، حتى عقلها كان ضعيفا مثل شعرها الاشعث ! ،فلم أقتبس أي من أحاديثها على الإطلاق سوى الامثلة الشعبية. ألبقية في الحلقة ألقادمة إن شاء الله. شكرا



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد