مكافحة الاحتيال: حصن الأمان في بيئة الأعمال الحديثة

mainThumb

07-06-2025 04:26 PM

السوسنة

في عالم الأعمال المتسارع والمعقّد، يشكّل الاحتيال المالي تهديدًا حقيقيًا للاستقرار المؤسسي والنزاهة الاقتصادية. فلم يعد الاحتيال مجرد حادث عرضي أو خطأ فردي، بل أصبح اليوم سلوكًا ممنهجًا قد يُدار من داخل المؤسسة أو خارجها، ويستهدف استنزاف الموارد، وزعزعة ثقة المستثمرين، وتقويض النمو الاقتصادي.
تشمل صور الاحتيال المؤسسي:
الاحتيال المحاسبي: كالتلاعب في البيانات المالية لإخفاء الخسائر أو تضخيم الأرباح.
الاحتيال الوظيفي: مثل الاختلاس أو إساءة استخدام السلطة الوظيفية.
الاحتيال الإلكتروني: ويشمل الاحتيال عبر البريد الإلكتروني، والهجمات السيبرانية، وانتحال الهوية.
الاحتيال في المشتريات والمناقصات: عبر تضارب المصالح، أو اتفاقات سرية بين الموردين والموظفين.

لماذا ترتفع معدلات الاحتيال؟

يرتبط الاحتيال بثلاثة عوامل وفق "مثلث الاحتيال" الشهير:

1. الضغط: كالحاجة المالية أو الضغط لتحقيق نتائج.
2. الفرصة: غياب الضوابط أو ضعف الرقابة.
3. التبرير: إقناع النفس بأن الفعل "مبرر" أو "مؤقت".

كلما توفّرت هذه العناصر الثلاثة، زادت احتمالية وقوع الاحتيال.
كيف نتصدى له بفعالية؟
إن مكافحة الاحتيال لا تقتصر على رد الفعل بعد وقوع الضرر، بل تبدأ بإنشاء بيئة مؤسسية واعية واستباقية، تشمل ما يلي:
1. سياسات واضحة ومحدثة: مثل سياسة الإبلاغ عن المخالفات، وقواعد تضارب المصالح.
2. ضوابط داخلية قوية: تفصل بين المهام، وتُراجع العمليات الحساسة دوريًا.
3. ثقافة مؤسسية شفافة: تعزز من قيم النزاهة وتكافئ السلوك الأخلاقي.
4. التدريب والتوعية: لجميع الموظفين، خاصة في الأقسام المعرضة للمخاطر كالمشتريات، المالية، والموارد البشرية.
5. تقنيات اكتشاف الاحتيال: مثل التحليل السلوكي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وأنظمة المراقبة المستمرة.
الاحتيال وتحديات العصر الرقمي
مع التحول الرقمي المتسارع، تنشأ تحديات جديدة أبرزها:
استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التزوير.
الاحتيال باستخدام العملات الرقمية.
الهندسة الاجتماعية لسرقة البيانات والمعلومات.
مما يجعل من الضروري أن تدمج المؤسسات تقنيات الأمن السيبراني ضمن استراتيجيات مكافحة الاحتيال.

فإن بناء منظومة فعالة لمكافحة الاحتيال يتطلب تعاونًا تكامليًا بين الإدارات التنفيذية، والرقابة الداخلية، والموظفين، والمراجعين، والمساهمين. ولا يكفي وجود القوانين إن لم ترافقها إرادة مؤسسية صادقة، وبيئة مشجعة على الإبلاغ، والتصرف السريع عند الاشتباه.
فمكافحة الاحتيال ليست رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان الاستدامة، وحماية السمعة، وتحقيق التنافسية في بيئة اقتصادية لا ترحم.


*مدرب الحوكمة ومكافحة الجرائم المالية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد