سوق العمل الأردني أمام اختبار الذكاء الاصطناعي

سوق العمل الأردني أمام اختبار الذكاء الاصطناعي

19-12-2025 02:18 AM

يُطرح الذكاء الاصطناعي في العالم بوصفه خطراً داهماً على فرص العمل، بينما يتجاهل النقاش سؤالاً أبسط وأدق " لماذا نشعر بالتهديد أصلًا؟" ، الخوف لا ينبع من التقنية نفسها، بل من ضعف جاهزيتنا لمواجهتها. فالاقتصادات الواثقة بمهاراتها تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كرافعة إنتاجية، أما المترددة فتراه خصماً.
الاقتصاد الأردني يعاني فجوة إنتاجية مزمنة، ساعات عمل طويلة ومخرجات متواضعة واعتماد واسع على أنماط تشغيل تقليدية، و هنا يأتي الذكاء الاصطناعي ليقارن بلا مجاملة بين الجهد والنتيجة. حين تنجز الخوارزميات مهاماً إدارية أو تحليلية في دقائق فإنها لا تُلغى الوظيفة تلقائياً بل يُسأل: لماذا كانت تُنجز بهذه الطريقة أصلاً؟
الحديث عن فقدان الوظائف يتجاهل واقعاً مهماً: الجزء الأكبر من سوق العمل الأردني موجود في شركات صغيرة ومتوسطة.وقطاع غير منظم ووظائف خدمية، هذه القطاعات لا تستبدل البشر بالآلات بسهولة لكنها تتأثر بسرعة بمن يرفع كفاءته، فمن يوظف الذكاء الاصطناعي في التسويق والمحاسبة وخدمة العملاء يتقدم خطوة ،ومن يرفض يتراجع خطوتين.
الإشكالية الأعمق تتعلق بالتعليم والتدريب ،و لا تزال منظومتنا تكدّس المعرفة بدل بناء المهارة وتكافئ الحفظ أكثر من الفهم ،فالذكاء الاصطناعي لا يهدد خريجاً قادراً على التحليل واتخاذ القرار، لكنه يفضح ضعف من لم يتعلم سوى تنفيذ التعليمات. السوق لا يعاقب الشهادة بل يعاقب عجزها عن التحول إلى قيمة.
في القطاع العام يظهر التحدي بصورة مختلفة، الأتمتة هنا فرصة لإعادة توزيع الجهد لا لتسريحه وتحسين الخدمة لا تقليصها، لكن ذلك يتطلب شجاعة إدارية وإطاراً تشريعياً مرناً واستثماراً في إعادة التأهيل لا الاكتفاء بشراء أنظمة دون تغيير الثقافة المؤسسية.
و الذكاء الاصطناعي أيضاً اختبار للسياسات العامة :هل نملك بيانات منظمة؟ هل نحمي الخصوصية؟ هل نشجع الابتكار المحلي أم نكتفي بالاستهلاك؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تحدد إن كانت التقنية ستخلق وظائف نوعية أم تزيد هشاشة السوق.
ومن زاوية أخرى يفرض الذكاء الاصطناعي نقاشاً حول الأجور والقيمة المضافة في السوق حيث سيكافأ فيه الوقت أكثر من النتيجة وستُعاد هيكلة الأجور لصالح من يحقق أثراً ملموساً. هذا التحول مؤلم لكنه ضروري لأنه يربط الدخل بالإنتاج لا بالحضور الشكلي كما يفتح الباب أمام العمل المرن والعمل عن بُعد، مما يوسع فرص الأردنيين إقليمياً إذا امتلكوا المهارات المناسبة.
أخلاقياً،لا يمكن ترك السوق وحده فالمطلوب سياسات انتقال عادلة وتمويل لإعادة التأهيل وحوافز للشركات التي تدرّب موظفيها بدل الاستغناء عنهم ،كذلك تحديث تشريعات العمل لتستوعب وظائف جديدة لم تكن معروفة وتحمي العامل دون خنق الابتكار.
في الإقليم، المنافسة محتدمة فهناك دول تستثمر في المهارات الرقمية وتجذب المشاريع ، والأردن يملك رأس مال بشري كبير لكن الزمن عامل حاسم فالقرار ليس بين قبول الذكاء الاصطناعي أو رفضه بل بين قيادته أو اللحاق به متأخرين ،هنا تُصنع الوظائف أو تُفقد فرصها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد