القول الموزون والخطر الكامن
في فلسفة الخطاب الاقتصادي الحذر
في كل تصريح يمس أموال مؤسسة الضمان الاجتماعي لا يكون الكلام حدثاً عابراً في الفضاء الإعلامي، بل فعلاً دلالياً ثقيلاً، يشبه إزاحة حجر أساس من بناء صامت؛ قد لا ينهار في اللحظة ذاتها، لكنه يبدأ بإصدار أصوات خفية لا يسمعها إلا من يضع أذنه على جدار المستقبل، فالكلمة هنا لا تُقاس بوزنها اللغوي، بل بارتداداتها النفسية في وعي مجتمع يرى في الضمان الاجتماعي خزان الطمأنينة المؤجلة، والعقد غير المكتوب بين الدولة والمواطن، والملاذ الأخير حين تتآكل القدرة على العمل ويثقل العمر على الكتفين، إن الخطر الكامن في تصريح وزير العمل لا يكمن بالضرورة في المعلومة المجردة، بل في قابلية تلك المعلومة لأن تتحول، خارج سياقها الفني، إلى مرآة مشروخة تعكس صورة المستقبل مشوّهة، فالناس لا تقرأ الأرقام كما هي، بل تعيد صياغتها بلغتها الوجدانية، وحين يُستدعى الحديث عن تحديات أو ضغوط أو سيناريوهات مستقبلية، يتسلل القلق كما يتسلل الصدأ إلى الحديد؛ ببطء، وبصمت، لكنه يضعف البنية من الداخل، وهنا تتجلى المخاطرة الكبرى: ليس في احتمال العجز، بل في تآكل الثقة، لأن العجز مسألة أدوات وحسابات، أما الثقة فإذا انكسرت يحتاج ترميمها إلى زمن أطول من أعمار الأزمات ذاتها.
في هذا السياق، يتحول الضمان الاجتماعي من مؤسسة مالية ذات منطق اكتواري إلى رمز نفسي مجتمعي، وحين يُمس الرمز، تتجاوز الآثار حدود الاقتصاد لتطال السلوك الاجتماعي ذاته، عندها يبدأ الأفراد بإعادة ترتيب خياراتهم على أساس الخوف لا التخطيط، وتتراجع القرارات طويلة الأجل، ويغدو المستقبل مساحة ضبابية لا تُدار بالعقل بل بالهواجس، وهكذا تتضاعف التحديات، لا لأن الأرقام ساءت بالضرورة، بل لأن المناخ العام أصبح مهيأً لتلقي أسوأ التأويلات، في زمن تتسارع فيه المعلومة وتتباطأ فيه الحكمة.
ان التحدي الأعمق هنا ليس فنياً ولا محاسبياً، بل هو تحدٍ زمني ونفسي في آن واحد، فنحن نعيش عصراً يُختصر فيه المستقبل بجملة مجتزاه من تصريح، ويُستبدل فيه التحليل العميق بانطباع عابر، وتُدار فيه المخاوف الجماعية عبر منصات لا تعرف الصبر ولا السياق، في هذا المناخ، تصبح مؤسسة الضمان الاجتماعي كسفينة ضخمة تمخر بحراً متقلباً؛ لا يهددها ارتفاع الموج بقدر ما يهددها هلع الركاب إذا شعروا أن لغة القبطان غامضة أو ملتبسة، أمام هذا المشهد المشوب بالتشاؤم، لا يكفي أن تُدار الأزمة بردود أفعال أو بيانات تطمينيه عابرة، بل يصبح لزاماً الانتقال إلى منطق الفعل الاستباقي. فالدولة مطالبة بأن تُعيد تأطير الحديث عن الضمان الاجتماعي ضمن خطاب استراتيجي يربطه بالأمن الاجتماعي بوصفه ركناً من أركان الاستقرار الوطني، لا مجرد مؤسسة مالية مستقلة، إن الكلمة الرسمية يجب أن تتحول من جملة تقنية جافة إلى سردية عقلانية تبني الطمأنينة على تفسير الأرقام لا على إخفائها، وعلى الوضوح لا على العمومية، أما مؤسسة الضمان الاجتماعي نفسها، فإن مسؤوليتها في هذه اللحظة تتجاوز إدارة الأموال إلى إدارة المعنى، فالشفافية المطلوبة ليست في إغراق الرأي العام بجداول وأرقام، بل في ترجمة هذه الأرقام إلى لغة مفهومة، تُظهر أين نقف، ولماذا لسنا على حافة الهاوية، وكيف يُدار المستقبل بأدوات علمية لا بأمنيات، إن الصمت هنا ليس حياداً، بل فراغاً تملؤه التوقعات التشاؤمية، والفراغ في القضايا المصيرية أخطر من الخطأ.
وعلى مستوى القائمين على إدارة المؤسسة، فإن الدور لم يعد يقتصر على ضبط الحسابات، بل يتطلب وعياً بأنهم يقفون على تخوم المستقبل الاجتماعي لأجيال كاملة، فكل كلمة تُقال عن أموال الضمان هي عملة نفسية تُضخ في وعي الناس؛ إما أن تعزز الثقة وتثبّت اليقين، أو تُتداول في سوق القلق وتغذي الشكوك، والإدارة الرشيدة هنا هي تلك التي تمارس حراسة المستقبل، لا مجرد إدارة الحاضر، وتدرك أن الأمان الاجتماعي يُبنى بقدر ما يُبنى المال، على المعنى والثقة والاستمرارية.
في المحصلة، فإن التشاؤم حين يتسلل إلى ملف الضمان الاجتماعي لا يفعل ذلك بضجيج، بل عبر عبارات رمادية ومساحات صمت ملتبسة، ومواجهته لا تكون بإنكاره أو التقليل من شأنه، بل بتفكيكه بالوعي، وتحجيمه بالمعرفة، ومجاوزته بتخطيط بعيد النظر، فالضمان الاجتماعي ليس صندوقاً للأموال فحسب، بل ذاكرة مستقبلية للأجيال، وإذا فُقد الإيمان بهذه الذاكرة، فإن أخطر أنواع الفقر لن يكون فقر الموارد، بل فقر اليقين.
وفاة الفنان السوداني عبد القادر سالم
تصريحات جمال السلامي لملاقاة المغرب
تشكيلات منتخبات نهائي كأس العرب
أيتن عامر تتعاقد في مسلسل حق ضايع
وفاة شقيق مدير التصوير جلال زكي
شيرين عبدالوهاب تكشف وضعها الصحي
استدامة الاحتلال: بين تدوير المواقف ورمادية الصياغات
«قوة الاستقرار الدولية» في غزة امتحانٌ عَسير
أخطر الكتب في التاريخ .. هل تجرؤ على قراءتها
وفاة مشهور التواصل السعودي أبو مرداع بحادث مروع
مدعوون للتعيين في وزارة الأشغال .. أسماء
البدء بإنتاج أول سيارة كهربائية طائرة
وظائف في مؤسسة الاقراض الزراعي .. الشروط والتفاصيل
وظائف شاغرة في وزارة الصناعة والتجارة .. تفاصيل
ارتفاع جنوني في أسعار الذهب محلياً اليوم
فصل نهائي ومؤقت بحق 26 طالباً في اليرموك .. التفاصيل
الخطاطبة رئيسًا لجمعية أطباء العيون
التربية تستغني عن 50 مدرسة مستأجرة
الزراعة: 451 ألف زائر لمهرجان الزيتون الوطني 25
وزارة الأوقاف تُسمي ناطقها الإعلامي الجديد
سعودية تُعلن نفسها أميرة المؤمنين وتدعو لمبايعتها
مجلس النواب يصوت على الموازنة .. الخميس
اليرموك: مبادرة من "كلية الشريعة" لتعزيز القيم في المدرسة النموذجية




