رفقا بالمعلم .. يا سادة

mainThumb

04-12-2008 12:00 AM

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن التربية والتعليم ، همومها ، طموحها ، أهم معوقاتها ، التحديات التي تعرقل تقدمها كما ينبغي .

والمتابع لهذه الأحاديث والتحليلات يكتشف أن معظم من تناول هذه القضية قد ألبس المعلم ثوب الذنب فيما تتعرض له العملية التربوية من نكوص ، فقد صوره البعض بالوحش الكاسر الذي لا يهنأ له بال إلا بضرب طالب هنا أوشتم طالب هناك ، ووصفه الآخر بأنه مفرغ تماما من العلم ، وثالث تطاول فقال عنه بأنه بلا ضمير ، ورابع وخامس وسادس.... وكأن لا مشكلة تواجه المجتمع والعملية التربوية إلا هذا المعلم .

رفقا بالمعلم أيها السادة ، رفقا بالمعلم أيها المنظرون ؛ لقد بات المعلم يخاف من النظر بعين الطالب وهذه حقيقة . فكيف له أن يشتمه أو يضربه ،فإن حدث أن تجرأ معلم هنا أو هناك واستجمع قواه ووجه صفعة للطالب أو ضربه بعنف فهذه أولا حالات شاذة لا يقاس عليها ، وثانيا لماذا لا يتم سؤال المعلم عن السبب ؟ أليس من الممكن أن يكون الطالب نفسه قد تمادى وتجاوز الحدود ؟! ... أما آن الأوان أن نشخص المرض كما هو بلا مواربة أو مداهنة لأحد ! أما آن الأوان أن نضع جميع المشاكل التي تعاني منها العملية التربوية نصب أعيننا كي يتم اتخاذ القرارات الجريئة والمنطقية لخلق الحلول !

إن المشاكل التي تواجه العملية التربوية في الوطن الحبيب كبيرة وكثيرة ، لكنها ليست مستحيلة الحل .... كل ما تحتاج إليه الصدق في دفع العملية التربوية إلى الأمام والمواطنة الصالحة وقليل من حلم بأن يصبح الأردن دولة متقدمة متطورة علميا شكلا ومضمونا ، وهذا هو عين الداء ، اهتممنا بالشكل ولكن المضمون غيب .

نذكر مثلا بسيطا من واقعنا ؛ فمدارسنا تعج بأجهزة الحاسوب بالوقت الذي تضيق فيه الغرف الصفية على طلابها ، فأعداد الطلبة تصل في بعض الأحيان إلى خمسين أو ستين طالب في الغرفة الواحدة ، مما يعني عدم قدرة المعلم على الشرح كما ينبغي ، عدم مقدرته على ضبط الصف كما يجب ، عدم تمكنه من متابعة جميع الطلبة ـــ وهذا هو الواقع ـــ فكيف تطالب الوزارة والمحللون والمراقبون التربويون أفضل النتائج بمثل هذه الظروف وهي غيض من فيض .

اهتمت الوزارة بتطوير المنهاج وتحسين شكله ومضمونه ــ هكذا نعتقد ــ ولكنها لم تهتم بتحسين أحوال المعلم الذي هو باعتقادي أهم من المنهاج ؛لأن المعلم الكفء منهاج يمشي بين الطلبة .

فأين اهتمام الوزارة بوضع المعلم المادي ، الذي لا يخفى تأثيره على أداء المعلم إلا على جاهل أو أعمى ، فهذا السبب دفع كثير من المعلمين للعمل خارج أوقات الدوام بأعمال شتى ، ومن لا يجد عملا يبقى رهين التفكير بهذا الحال .

المتابع للقطاعات المهنية الأخرى يجد المحفزات والتشجيع منها للعاملين فيها ، فهناك من يؤمن أبناء العاملين بمقاعد جامعية مع التكفل بالرسوم كاملة أو جزء كبير منها ، وهناك من يعطي راتب ثالث عشر و رابع عشر ، تأمين خاص ، وهناك من يبتعث بعثات الحج والعمرة ........ فلماذا لا يتم مساواة المعلم بهم ، وهو الجندي الحريص على الدفاع عن ثقافة الوطن ومعتقدات المجتمع ، وهو الطبيب الذي يعالج أمراض الأخلاق ، وهو المهندس الذي يبني عقول المستقبل ، بمعنى آخر المعلم هو المجتمع .

فلم تشهد اليابان التطور إلا بعد تحسين الوضع التربوي كاملا بعد الحرب العالمية الثانية ، وكذلك ماليزيا وغيرها الكثير .!! المأساة كبيرة ، والمشكلة كبيرة ، فلا ينبغي التهرب منها واختزالها ووضع اللوم كل اللوم على المعلم ، فرفقا بالمعلم . أعطني طالبا يحترم المعلم ومن هو أكبر منه سنا ــ وهذه مسؤولية البيت ابتداء ــ وأعطني طالبا يريد أن يحقق هدفا في حياته ، يبحث عن المعلومة ، وخذ مني وعدا صادقا مسؤولا أنك لن تجد معلما يتجرأ وينظر إلى عين طالب ، فالمعلمون في النهاية ليسوا من هواة الضرب أو العنف .

و أخيرا نسأل : لماذا تشيد دول الخليج التي تتعاقد مع المعلم الاردني بأخلاقه وصدقه وإخلاصه وقدرته على التدريس بالوقت الذي يتم مهاجمته داخل الوطن ؟

نترك الجواب لمن يملك حق الجواب .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد