هدوء وهمي في الضفة

mainThumb

29-12-2007 12:00 AM

لا تدعوا الهدوء يسرق عقولكم: إنه هدوء وهمي ، ففي الوقت الذي تتركز فيه الانظار على غزة يسود انطباع ، بغطاء من الاعلام الذي يتجاهل المسألة ، بأن الضفة هادئة ، هناك يسيطر "الصالحون" الاخيار الذين توجهنا برفقتهم الى انابوليس ، واليهم ستتدفق الاموال من الدول المانحة ، والحياة هناك رغيدة وادعة.

هذا ما تبدو عليه الامور ، إلا ان الوضع ليس على هذا النحو ، فحياة الفلسطينيين في الضفة أصعب من ان تطاق ودماءهم تراق هناك ايضا ، والجيش الاسرائيلي يحافظ على تقاليده ويده خفيفة على الزناد بصورة مفزعة ، روح انابوليس وكلمات رئيس الوزراء الجذابة لا تخيم على تلك الأجواء.

في الاشهر الاخيرة زرت منازل حداد كثيرة في الضفة ، في كل هذه البيوت رثوا أبناءهم الذين قتلوا في الضفة سدى ، ففي كل اسبوع يقتل في الضفة اشخاص أبرياء من دون ان يأتي أحد على ذكرهم ، عشرات الفلسطينيين الذين قتلوا في الاونة الاخيرة لم يكونوا كلهم مطلقين للقسام أو قادة خلايا في غزة ، فاذا اندلعت انتفاضة جديدة في الضفة فستكون نابعة من بيوت العزاء هذه.

روتين الحياة في الضفة غير انساني بصورة صارخة ، والليلة التي قضيتها في الصيف الاخير في مخيم جنين للاجئين جسدت لي ذلك: الجيش الاسرائيلي يتسلل الى المخيم كل ليلة وحتى عندما لا يقتل أحدا ينشر الرعب الكبير في نفوس آلاف السكان الذين يتأذون نفسيا ، عدد قليل من الاسرائيليين يمكنهم ان يتخيلوا لانفسهم روتين حياة كذاك الذي يعيشه سكان الضفة ، هذا ، دون ان نتطرق بعد للفقر والحواجز وهدم المنازل.

ان حكاية قتل ضحايا الضفة في الاشهر الاخيرة ليست موجودة بالمطلق على جدول اعمالنا لانهم لم يردوا من هناك بعد من خلال العمليات (انتقاما لاعمال القتل) ، ولكن ليس من المؤكد ان يتواصل هذا الهدوء.

أديب سليم ، كان بائع ترمس مشلولا في نصفه الايمن ، وعندما قام الجيش الاسرائيلي بأحد اقتحاماته لمدينة نابلس تجرأ على أن يطل برأسه خارجا ، الجنود قتلوه على الفور ، والناطق بلسان الجيش ادعى انه هدد باطلاق النار على الجنود ، ولكن بائع الترمس المشلول لم يكن قادرا على القيام بمثل هذا الامر بأي شكل من الاشكال.

عبد الوزير ، ابن عم أبو جهاد ، خليل الوزير الاسطوري ، كان مدير حسابات متقاعد في الواحدة والسبعين من عمره ، هذا الكهل عاش ليلة رهيبة في منزله: الجنود اطلقوا النار بجانب نافذته لساعات طويلة وهو جالس مع زوجته على الاريكة متجمدين من الذعر ، وعندما صدر الامر بالخروج من المنزل ، خرج منه ، فأطلقت عليه النار ليفارق الحياة فورا.

جهاد الشاعر ابن التسعة عشرة عاما كان متوجها من قريته تقوع كي يسجل في الجامعة ، الجنود قتلوه لسبب غير واضح بالعصي والركلات خلال انتظاره عند محطة الباص ، والناطق بلسان الجيش أوضح بأن الجنود "تصرفوا كما يجب".

كل هؤلاء الاشخاص وغيرهم قتلوا على يد الجيش الاسرائيلي في الاسابيع الاخيرة سدى ومن دون سبب ، وهناك حالات قتل اخرى - لتحصلوا حينها على الصورة الحقيقية "لمساعي السلام" التي تبذلها اسرائيل ، هذا من دون ان نأتي بعد على ذكر البناء في المستوطنات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد