القذافي .. رمز لافريقيا

mainThumb

14-12-2007 12:00 AM

اذا التقيت?Z غريبا ، قبل ان تصده عنك ، فانت ربما امام اخ لك او امام مرآتك". هكذا يقول مثل افريقي. هذه الحكمة ، على ما يبدو ، لا مكان لها في لغة بودلير ، اذا ما حكمنا على الامور من اقوال وسائل الاعلام ، ومن الطبقة السياسية الفرنسية ، تجاه القذافي.

من ناحية ، نحن نشتمه ، ونسبّه ونصفه بالدكتاتور ، والاستبدادي ، والدموي. ومن ناحية اخرى نبرر وجوده بعقود مربحة ، تستفيد منها فرنسا بعد هذه الزيارة التي تدوم أياما خمسة. فيما وراء قواعد آداب السلوك الاساسية التي تقتضي بان نستقبل الغريب بما يستحقه من كرم ونبل ، فانه ليس من عديم الجدوى ، بالنسبة الينا نحن الفرنسيين ، ان نبذل الجهد الضروري لكي نعيد النظر في مسالة رؤيتنا للعالم ، وفي تعريفنا لكلمة "مسؤولية" التي لا تنطبق بالضرورة على تعريفات الشعوب الاخرى لها. مركز العالم كان غربيا في القرن التاسع عشر ، لكنه الان ، وقد صرنا على عتبات الالفية الثالثة ، تجزأ الى بلورات تُعدّ بعدد القارات ، وبعدد الثقافات والحضارات. هذه المعاينة ينبغي ان تؤدي بنا الى مزيد من التحفظ في احكامنا حول ما هو جيد وما هو سيء ، والى تقليص الخطوط التي تفصل ما بين الخير والشر. هذا الاسلوب الذي نضع به انفسنا في مقام المدعي العام ، يبين بوضوح ان فرنسا ، هذا البلد الرائع الذي لا يحتاج جمال لغته وثقافته الى برهان ، قد صار اقل استقطابا للآخرين.

وهو ما يسيء الى صورتنا كثيرا ، والى اقتصادنا ايضا ، اللهم الا اذا تصورنا ان الآخر لا قيمة له ، وانه ليس ندّا لنا. العقيد القذافي رجل يحظى بعظيم الاحترام ، في بلاده وفي افريقيا. هذا الاحترام ، ليس مرتبطا ، كما يحلو للالسن الكئيبة أن تزعق به ، بالبترودولارالتي تكتظ بها ليبيا ، كما يقال ، بل مرتبط بافعال زعيمها القذافي. لقد ساهم القذافي في كل كفاحات تحرير الشعوب المضطهدة. محاربو المؤتمر الوطني الافريقي في جنوب افريقيا سعداء بان يعدّوه واحدا من اكبر مسانديهم ، أما السود المضطهدون في روديسيا السابقة ، فهم يدينون له بجزء من استقلالهم.

حول شخصية القذافي تتبلور آلاف الآمال في افريقيا المستقبل ، افريقيا التي تطمح الى رغد العيش ، افريقيا التي تريد ان يحسب لها حسابها في محفل الامم ، افريقيا المفعمة بالأمل ، افريقيا التي تتجه انظارها الى آفاق 2015 وتنتظر بفارغ الصبر ، انشاء أمم افريقيا المتحدة ، هذه المنظمة التي سوف تجعلها اقوى ، واكثر وحدة ، واكثر سلاما ووئاماً ، من اي وقت مضى.

نعم ، القذافي واحد من الرموز القوية ، هكذا الحال ، وبالنسبة لي ، أنا الذي زرت ليبيا مرات عديدة ، اقول لم ار قط شعبا مقهورا على نحو ما تصفه لنا وسائل الاعلام ، لم اجد على الاطلاق ، رجلا جائعا ، او محتضرا على الارصفة. على العكس تماما ، لقد زرت مستشفيات مجانية ، ومتطورة جدا ، يتلقى كل مواطن فيها العلاج والعناية ، التقيت برجال سعداء قالوا ان كل شاب عند الخامسة والعشرين له الحق في شقة مكيفة ، مع الماء والكهرباء.

التقيت بفتيات سعيدات ، محجبات بالطبع ، لكنهن مبتسمات ، لانهن ، بفضل القذافي ، صرن يترددن اكثر فاكثر على الجامعات ، فصرن محاميات ، وسيدات اعمال ، وطبيبات ، رغم معارضة بعض رجال الدين الذين يرون سلطتهم تتفتت امام هذا الرجل الذي اعطى مكانة مرموقة للنساء ، في بلد اسلامي. لست انا من يقول هذا ، بل انها احصائيات الامم المتحدة التي تؤكد ان في بلد القائد ، هناك من بين كل خمسة موظفين امرأة.

رأيت شوارع بهية ، واطفالا يذهبون الى المدارس. لم ار ليبيين يتهافتون على السفارات الاجنبية من اجل الحصول على تاشيرات ، حتى يفروا من بلدهم. صحيح انه يجر بعض النقائص مثل اي مخلوق ، لكنْ أيبرّر هذا كل ذلك القدر من الحقد والشتائم ؟. فيما يخصني لم أر مطلقا ، على مدى سلم حياتي القصير ، بلدا ديمقراطيا كاملا ، مساواتيا كاملا ، او يمارس على الاقل ، عدالة لا نقيصة فيها. كنت دائما اعترض على خطاب ساركوزي المتعلق بافريقيا. لكن ها هو يثير اعجابي وهو يستقبل العقيد القذافي بما يليق به من حسن الاستقبال. وفي هذا ما يضحكني ، وفي هذا ما يعزيني ، وفي هذا ما يلطف قليلا العلاقات الفرنسية الافريقية. وفي هذا ما يحقق بعض المصالحة ، قليلا من المصالحة ، ما بين الافروفرنسيين ، ورئيسهم الجديد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد