صحيفة السوسنة الأردنية

قبل أيام تناولت موضوع الشأن اللبناني، ومحاولة إسقاط بعض القوى السياسية اللبنانية في ساحة الفراغ الدستوري الذي لا يمكن لأحد أن يتوقع ما قد يحدثه هذا الفراغ من دمار وفوضى، ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على مستوى المنطقة العربية عموماً ودول الخليج خصوصاً.

لقد أصبح لبنان منذ أيام عدة دولة بلا رئيس دستوري، مما زاد من نشوة وزهو قوى المعارضة اللبنانية التي يأتي على قمة هرمها «حزب الله» الذي تمددت أبعاد تهديده، متجاوزاً الحدود الإقليمية لمنطقتنا العربية هذه المرة إلى أوروبا، إذ طالعنا في الصحف هذا الأسبوع رسالة وعيد شديدة اللهجة جاءت على لسان أحد قياديي حزب الله لدول أوروبية، من بينها بريطانيا وفرنسا، تفيد بأنه في حال فكرت هذه الدول في القيام بأي عمل عسكري ضد إيران، فإن الحزب لن يقف مكتوف الأيدي بل سيحرك ما سماها «الخلايا النائمة» التي يسيطر عليها داخل تلك البلدان لإحداث تفجيرات، وعمليات تخريبية ستصيب مواطني أي دولة أوروبية تسهم في شن حرب على إيران بالرعب والذعر. وهذا التصريح استوقفني كثيراً لأسباب عدة أهمها كشفه لنا عن البعد والعمق الاستراتيجيين لقدرات هذا الحزب الذي يظهر لنا يوماً بعد يوم أنه يمتلك كثيراً من الأدوات التدميرية السرية التي تؤهله لإحداث فوضى في أي مكان فيه من يعارضوه ويختلفون مع أجندته، حتى ولو كان هذا المكان هو وطنه لبنان نفسه، وهنا لابد من الإشارة إلى جزئية مهمة أخرى بعيدة عن لبنان أو إيران، وبعيداً عن كون حزب الله يتحرك بإمرة هذه الدولة أو تلك، ويمارس تهديداته في الداخل والخارج، وحتى بعيداً عن بريطانيا وفرنسا، فكل هذه الأمور، على رغم أهميتها المطلقة بالنسبة لنا إلا أنها تظل محصورة في دائرة «اللعبة السياسية» حتى الآن، لكن ما يثير القلق في هذا التصريح هو التفكير في مدى تنوع الجغرافيات التي نجح حزب الله في التغلغل داخلها وزرع خلايا وتنظيمات سرية تدين له بالولاء، وتتحرك مهدرة الدماء والأرواح لحساب قياداته وقتما تقرر وتشاء وتريد.
إذا ما كان ذلك التصريح صحيحاً، وأن الحزب بالفعل يمتلك وتتوافر لديه مثل هذه التنظيمات والخلايا، فالمنطق يقول أنه طالما تبنى الحزب وأقر بالقيام بمثل هذه الأعمال الإرهابية ضد مجتمعات تختلف حكوماتها مع حكومات من يدين لهم الحزب بالولاء، فإن أهمية «الجغرافيات» في هذه الحال تكون معدومة، وبالتالي فإن أية دولة في المنطقة يمكن أن تصبح كذلك في دائرة التهديدات التي وجهت نحو بعض الدول الأوروبية، وربما هذا ما أراد إيصاله إلى دول الخليج ذلك القيادي عبر تصريحه الذي أطلقه، بمنطق «إياك أعني وأسمعي يا جارة».
لا أريد تضخيم حجم هذا الحزب ودوره،، لكن ما أريد قوله هو أن تهديدات قادته الذين يحاولون صبغها بصبغة سياسية كشفت عن زلات وأخطاء تشير إلى سطحية لبعض هؤلاء القادة، فهم بمثل هذه التصريحات كشفوا صراحة عن المنبع الذي يغذي عملياتهم، ويحركهم لخلط الأوراق وتشويه الأدوار، وهم بذلك أوضحوا أن عمليات الاستفزاز التي توجه من قبلهم ضد بعض الدول والتي يصورونها على أنها حرب ضد الشيطان، وما شابه هذه المسميات التي يسعون من ورائها لجذب مزيد من البسطاء في الشارع العربي، وجذب تأييد القوى الخارجية المؤيدة لخطهم السياسي للضغط على لبنان وشعبه، الذي هو في الأخير الضحية الأولى لهذه الممارسات.

فإذا ما أراد اللبنانيون حقاً أن يعيدوا بلادهم المختطفة ويعيدوا إليها هدوءها وسحرها وأريحية شعبها، فعليهم أولاً السعي للتخلص من بعض ممارسات هذا الحزب، أو على الأقل تجريده من سلاحه، وإجباره على الانصياع للدولة وقوانينها وأنظمتها، شأنه في ذلك شأن أي حزب سياسي محلي آخر.