النفط وغزو العراق

mainThumb

14-11-2007 12:00 AM

أول من تولى منصب محافظ بنك «الاحتياط الفيديرالي»، بعد انتخاب فرانكلين روزفلت رئيساً للولايات المتحدة في عام 1932، كان رجلاً من أصول يهودية اسمه يوجين ماير، ولم يكن له ارتباط ببقية اليهود لا في أميركا ولا خارجها، وتزوج من امرأة مسيحية بروتستانية من أصول ألمانية، أنجبت له بضعة أولاد، منهم كاثرين غراهام التي ورثت عن والدها صحيفة «الواشنطن بوست» التي كانت غير مؤثرة وشبه مفلسة عندما اشتراها والدها وعند وفاته. أما كاثرين وزوجها دونالد غراهام فلم ينجحا فقط في جعل هذه الصحيفة من أهم الصحف في العالم وإنما أيضاً كونا إمبراطورية إعلامية كبيرة تشمل مجلة «نيوزويك» وبضع محطات تلفزيونية مربحة.
ولد دونالد غراهام لأبوين مسيحيين في ولاية ميتشيغان. وبعد وفاة والدته نزح والده إلى ولاية فلوريدا وتزوج امرأة أخرى أنجبت له أبناً سماه «فيل» صار فيما بعد عضواً في مجلس الشيوخ. والسيناتور فيل غراهام كان من الديموقراطيين الذين رشحوا أنفسهم للرئاسة في انتخابات 2004.

هذا الموضوع ليس عن آل غراهام مع أهمية تأثير إمبراطورية «الواشنطن بوست» وأخواتها في الشأن الأميركي منذ كانت كاثرين وزوجها فيليب من أهم حلفاء الرئيس ليندون جونسون في تحقيق إنجازات تشريعية كبرى ألغت التفرقة العنصرية على مستويات العمل وتقديم الخدمات بما فيها التعليم على مستوياته كافة، حتى صار يحق لكل من يثبت حصول تفرقة عنصرية ضده في أي مؤسسة لها علاقة بعامة الناس الحصول على تعويض مادي ومعنوي.

لم يكن لبنك «الاحتياط الفديرالي» حينما كان محافظه يوجين ماير في عام 1933 الأهمية التي احتلها حينما كان محافظه ألان غرينسبان لمدة تجاوزت ثماني عشرة سنة، امتدت من عام 1988 حتى عام 2006.

وحين كان غرينسبان محافظاً لأهم بنك مركزي عرفته البشرية، وكان يُلقي الخطابات وتستجوبه لجان الكونغرس على مستوييه، كان من أقدر الناس في صوغ عبارات مبهمة شبيهة بالألغاز المتقنة. أما الآن وقد تقاعد وبلغ الثانية والثمانين فقد كتب وتحدث بفصاحة وصراحة. ونشر في أوائل ايلول (سبتمبر) الماضي كتاباً عن حياته المهنية الطويلة أسماه «عصر الاضطرابات». ومما قاله في هذا الكتاب الذي تجاوز عدد صفحاته الخمسمئة، في الصفحة 463 عبارة واحدة أثارت جدلاً واسعاً. والعبارة التي اعترف غرينسبان بأنها عبارة مبتورة لم يحالفه التوفيق في صياغتها هي: «يحزنني أنه ليس من المريح سياسياً الاعتراف بما يعرفه الجميع: بأن حرب العراق كانت بالدرجة الأولى على النفط». ثم يتابع إلى بقية الفقرة بعبارات عدة معناها انه يمر يومياً من خلال مضيق هرمز نحو 18 مليون برميل بترول. ولذلك فإن كل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط عامة وما يحصل في المنطقة المطلة على الخليج يحتل أهمية مفصلية في ازدهار العالم أو كساده. وعلى رغم كل ما بذل من جهود للتقليل من استهلاك النفط، وهي الجهود التي أدت فعلاً إلى خفض استهلاك المشتقات البترولية في كل وحدة من وحدات الناتج الكلي لاقتصاديات الدول الصناعية، فإن البترول يبقى حجر الأساس لاقتصاديات العالم أجمع، ما دام العالم لا يزال مدمناً على استهلاك البترول. ولذلك فالعالم كله في خطر إذا كانت الاخطار تحف بانتاج البترول وتصديره. أي أن المقصود ليس بترول العراق تحديداً.

هذا هو ملخص ما قاله غرينسبان. وهو قول موضوعي يصف الواقع. وقد ابتعد غرينسبان بنفسه عن ترديد الخرافة التي يرددها أصدقاء إسرائيل في أميركا، حتى صدّ?Zقه?Zا كثير من العرب، أن سبب تحيز سياسة أميركا الخارجية إلى جانب إسرائيل هو مصالحها الوطنية العليا. بل انه لم يذكر إسرائيل وليس من المتحيزين لها ولم يذكر أهميتها المزعومة في تحقيق مصالح أميركا الوطنية.

إن ألان غرينسبان يهودي وزوجته اندريا ميتشل يهودية، ومن أهم الصحافيين في شبكة «أن بي سي» المؤثرة، وكلاهما، الزوج والزوجة، من اليهود المعتدلين الذين لم يعرف عنهم قط التحيز إلى إسرائيل أو التطرف في معاداة الفلسطينيين والعرب.

ولو كان ألان غرينسبان من «المحافظين الجدد» الذين يقدمون مصلحة إسرائيل على مصلحة بلدهم أميركا التي يتحدثون باسمها، لوجد فرصة مؤاتية للحديث عن أهمية إسرائيل الاستراتيجية، كما يفعل غيره من اليهود اليمينيين يومياً، في تحقيق المصالح الوطنية الكبرى للولايات المتحدة.

من المعروف صعوبة إقناع الكثيرين من العرب، حتى المفكرين المعتدلين، دع عنك أقصى اليمين وأقصى اليسار، أن إسرائيل هي في حقيقة الأمر عبء ثقيل على الولايات المتحدة ولا تقدم لها فائدة وطنية من أي نوع. وقد قال هذا الكلام العشرات من الساسة الأميركيين، بعد تخلصهم من «ربق» الضغوط الانتخابية، كما قاله وزراء دفاع سابقون، وصحافيون وأساتذة جامعات يهود.

وقد يكون الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، والصحافي الأميركي اليهودي الكبير روبرت نوفاك من الذين قالوا ولا يزالون يقولون ما يؤلم «ايباك» وبقية وسائل الضغط الإسرائيلي في التأثير البالغ في سياسة أميركا الخارجية.

والله من وراء القصد.
 

* أكاديمي سعودي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد