عقوبة جماعية لسكان غزة

mainThumb

29-10-2007 12:00 AM

في الاسبوع الذي يقرأون فيه في الكنس اليهودية وصايا سيدنا ابراهيم الذي يناشد الرب بأن لا يفرض عقوبة جماعية على سكان سدوم ، قرر جهاز الأمن في اسرائيل فرض عقوبات شديدة وقاسية على سكان قطاع غزة ، وازعاجهم من خلال قطع التيار الكهربائي عنهم وتقليص إمدادات الوقود المرسلة اليهم ، ودرجة الاقناع التي حاول ايهود باراك ومستشاروه إظهارها ، ليست مطلقة ، خلافا للحكاية التوراتية القديمة ، فهم يعتبرون الخطوة "تجربة": اذا نجحت - فهذا جيد ، واذا لم تنجح - فسيفكرون بشيء آخر.
ايضا عندما يتم تجاهل المغزى الاخلاقي المترتب على القرار ، ويركزون على المنفعة المترتبة عليه فقط - سيكون الاستنتاج انه يتوجب الغاءها فورا ، ويتبين من تقرير آفي يسيسخروف وعاموس هرئيل أمس الاول في صحيفة "هآرتس" أن الجيش الاسرائيلي يوصي بالعقوبات وهو يعرف سلفا أنها لن تحقق هدفها المعلن: ايقاف الصواريخ والقذائف ، والعقوبات الجماعية القوية ترمي الى تحقيق هدف آخر: اعداد الرأي العام للعملية البرية الكبيرة والطويلة في عمق القطاع ، واقناعه - خصوصا سكان سدروت ومحيطها - بأن الجيش الاسرائيلي يبذل "كل ما في وسعه" لمنع اطلاق صواريخ القسام.
فالتجربة تشير الى أن العقوبات البيئية بأشكالها المختلفة ، التي فرضتها الدولة على الجمهور الفلسطيني ، لم تؤد الى النتائج المرجوة: لا الحواجز ولا الاغلاقات ولا الضغط الاقتصادي ، وعلى العكس هذه الوسيلة زادت من دافعية التنظيمات الارهابية لضرب اسرائيل وتوسيع دائرة الانتحاريين الراغبين في الانتقام منها.
الأمر لا يتوقف عند ذلك ، إذ أن العقوبات الجماعية تضر بصورة اسرائيل وتثقل على وجهودها ومساعيها للحصول على التفهم الدولي لموقفها في الصراع الدائر مع الفلسطينيين ، والمنطق السليم يشير اذن الى الامتناع عن استخدام هذه الطريقة ، ناهيك عن استخدامها بصورة متطرفة.
بكلمات بسيطة ، اذا حكمنا على المسألة حسب مبدأ الربح والخسارة - يتوجب سحب فكرة مضايقة سكان غزة بقطع الكهرباء والوقود عنهم ، آخذين بعين الاعتبار الثمن الذي يتوجب دفعه اذا قامت اسرائيل بتطبيق ذلك ، والأمور التي قالها اولمرت لمحمود عباس تشير الى انه هو ايضا يدرك ذلك: في ختام لقائهما في القدس أُفيد بأن اولمرت قد وعد ضيفه بأن لا تتسبب اسرائيل في أزمة انسانية في القطاع ، فاذا كان الوضع على هذا النحو ، فما هي الجدوى من الاعلان عن التوجه لفرض عقوبات قوية وشديدة على سكان القطاع: فإما انهم ينوون مضايقتهم لدرجة لا تحتمل - وعندها لن يكون لوعد اولمرت لعباس أي معنى ، وإما انهم ينوون إزعاجهم بصورة "يمكن احتمالها" وعندها لن تكون هناك جدوى من المضايقة.
ولهذا القرار بعد اخلاقي ايضا: فالدولة تسقط بأعين مفتوحة في مصيدة اخلاقية وقانونية عندما تقدم على استخدام وسيلة عقابية ترمي عن قصد وادراك الى الحاق الأذى بعشرات آلاف الناس الأبرياء من دون ذنب اقترفوه.
فما الذي يمكن فعله ضد صواريخ القسام اذن؟ ، بدلا من تجربة تجريف الارض وتدمير المناطق المفتوحة والحصار الاقتصادي وقطع التيار الكهربائي والاجتياحات المحدودة والعمليات البرية وعمليات القتل المستهدف - لماذا لا يتم التوصل مع الفلسطينيين الى تسوية شاملة يكون في أساسها استعداد اسرائيلي حقيقي للتنازل عن مناطق؟.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد