كتابة من دون وساطة أو هواتف خاصّة أو لون بشرة مناسب !

mainThumb

16-10-2009 12:00 AM

 ماجد شاهين

? في الكتابة : لا وساطة سوى للفكرة والكلمة والنصّ الجميل !

• قبل ما يزيد عن ثلاثين سنة ، وتحديداً في تشرين الأول من العام 1978 من القرن المنصرم ، و لتشرين مذاق خاص ، وبعد محاولات في الكتابة كانت في مجملها خواطر وجدانيّة قصيرة ، دفعتني حالة انفعالية جرّاء ما كان يحدث وقتها في الجوار إلى كتابة خاطرة أو مقالة قصيرة ، تملّكني زهو ٌ واغتباط بعد كتابتها على ورقة مسطّرة ، و رأيت حينها أن أرسلها إلى إحدى الصحف اليومية الكبرى ، علّها أن تجد طريقاً للنشر .

لم أكن أعرف من أمور الحرف والطباعة سوى أن اذهب بالمقالة ( الخاطرة ) إلى مركز ٍ لتعليم الطباعة اليدويّة ، فدفعت بالورقة ، وعلى استحياء واضح ، إلى فتاة كانت لتوّها تعلّمت شيئاً من نقر الحروف على ( الآلة الكاتبة ) ، كما كنا نطلق عليها .. خرجت الورقة المطبوعة حافلة بأغلاط وأخطاء طباعة ، سعيت وقتها لمعالجتها بالحبر الأبيض ( الطامس ) ، فظهرت الخاطرة وقد اختلطت فيها الحروف المطبوعة مع الحروف المصححة فوق الحبر الأبيض .

وعند أقرب محلّ لبيع القرطاسية ، اشتريت مغلفاً ( ظرفاً أو مظروفاً ) و دسست الورقة بداخله و مرّرت الجزء اللاصق على لساني وكان أن ْ أحكمت ُ إغلاقه ودفعت به إلى مكتب البريد المجاور بعدما سطّرت ُ على أحد وجهيه عنوان الصحيفة وعلى الوجه الآخر اسمي وعنواني .

( ولا أنسى ، ولن يغيب عن الذاكرة أنني اقترضت وقتها عشرين قرشاً لزوم دفع تكلفة الطباعة وأجرة البريد ... مثلما لا يمكن أن أنسى أنني لم اتقاض?Z مكافأة مالية ، لا عن تلك الخاطرة ولا عن سواها من مئات المقالات والنصوص والقصص المنشورة لي في صحف ورقيّة عديدة ، باستثناء مكافآت اكتسبتها من كتابة يومية بتكليف من صحيفة ولفترة محدودة .. وللمكافآت حديث آخر يرتبط بالمحررين أو بأسباب أخرى سيأتي يوم للتعليق عليها ) .

بعد أيام أربعة ، احتلت المقالة موقعاً في زاوية مهمّة في الصحيفة ، تلك الزاوية التي كان يتسابق على النشر فيها عدد كبير من الكاتبين والصحافيين ، وكثيرون منهم باتوا أصدقاء و زملاء تعب ودرب .

? وبعدها انفتحت بوابة الكتابة والنشر ، وانقضت سنوات وأنا أرسل مقالتي بالبريد أو من خلال مندوب ومن دون أن يعرفني أحد في الصحيفة ... كتابة بدأت بلا وساطة ( سوى الكلمة ) وكانت في أوّلها عبر رسالة ٍ ختمها مكتب البريد .

? لماذا نسرد ُ هذه القصة التي ( قد ترهق عين القاريء أو تفسد ُ وقت المتابع ) ؟ .. سنترك الإجابة ?Z عن السؤال لمن تخطر ُ في ذهنه ظنون أو تفسيرات حول السؤال .


• اليوم ، تعدّدت الصحف واتسعت مساحات الكتابة والنشر ، وظهرت المواقع الصحافيّة الإلكترونيّة .. لكن ّ ، الحال تبدّلت ، وصار النشر محكوماً بشروط ٍ إضافيّة لا ترتبط بالجودة والأهمية ، بل باتت منظومة ( العلاقات العامة والوساطات والمعرفة الشخصيّة والاتصالات الهاتفية والتوصيات والمواقف المنحازة واللون والشكل الخارجيّ للكاتبين وسواها ) محدّدات للنشر وإفراد المساحات هنا وهناك من دون تمحيص ... والاستثناء لا نغفله ، فالتعميم قد يلحق الأذى بكثير من الكتابات المنشورة والمواقع الصحافية والمحرّرين وأصحاب الصحف الورقية والفضائيّة .

ما الذي يحكم اختيار مادة للنشر لدى أصحاب الصحف والمواقع الإلكترونية ؟ هذا سؤال كبير برسم أهل الرأي وأصحاب الشأن .. ما الذي يسمح بنشر مادة صحافية أو كتابية في هذا المكان ويمنع نشرها في مكان ٍ آخر .. وأيّة مقاييس وشروط تحدد الأمر ؟

• قد يتذرّع موقع وأصحابه بضيق المساحة أو كثرة الكاتبين والمشاركين ، وقد يكون سوء النصّ سبباً لمنع نشره لدى موقع آخر ... وقد يسوق رئيس تحرير آخر أسباباً لها علاقة بالمعرفة الشخصية ... لكنّ الأخطر أن تكون الذريعة الوحيدة الفاقعة : اسم الكاتب الذي قد لا يشكّل ُ ثقلاً سياسياً أو اجتماعياً أو نفعيّاً أو بسبب آخر يعرفه واضع ُ الشرط ( مبرر المنع أو القبول ) .

• لن نظلم أو نتّهم أو نترك السؤال على وجه التعميم ...لكن المتصفح والقاريء يجد وبسهولة واضحة أن ّ كثيراً مما يتم نشره أقل ّ من المأمول أو المرجو ّ ، أو لنقُل ْ : في كثير من الكتابات لا يتوافر الحد الأدنى من شرط المفردة والفكرة والمعالجة المطلوبة ، وهذا يجعلنا نسارع إلى القول أنّ مسوّغات أخرى فرضت نشر المادة .

? ليست لدينا أزمة نفسيّة كبيرة بهذا الخصوص ، فبعد انقضاء سنوات في محاولة التعلّم وتسطير خربشات الكلام ، ما نزال نتعلم ونكتب ونجد الأمكنة الملائمة للنشر والمساحات اللائقة ، ولم يعد مقلقا ً أن ْ يكون المرء هنا ولا يكون هناك .. فالكلمة تفرض حضورها إن ْ استحقت ، أمّا ( طقّ الحنك ) ، كما يقال ، فلا يمكث طويلاً في الأذهان مهما طال مكوثه على مساحات الورق والهواء .

madaba56@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد