واقع إبداعيّ مأزوم، ونقد يبحث عن هوية

mainThumb

25-11-2008 12:00 AM

إنّ المتأمّل في الإبداع الشعري اليوم يجد إبداعاً غريباً، ولغةً غير ما كان يألف، وأساليب تعيشها الفوضى، وإيحاءات لا هدف لها سوى العبث. ولعلّ هذا كله أُخِذ من زاوية تفجير اللغة، ولا أدري!! هل عجز النقاد أن يأتوا بغير هذه اللفظة (تفجير)؟! فضاع الإبداع الحقيقي، وحال رسماً تعلوه غبار الهواة، وتطؤه أقدام الباركين على أبواب الشعر ليُعترف بشعريتهم.
تحت هذا المسمّى يمكث أحدهم أسبوعاً في بيته ثم يخرج لنا بديوان شعر كامل، بعدها يحال إلى الطباعة؛ ولعلاقاته الشخصية يبدأ النقاد يحللون ويثنون ويطاردون الدلالة، وأنّى لهم الإمساك بها؟! وهو على أريكته نهاية كل أسبوع يستمر بابتساماته من العبث النقدي المكتوب، وتلك المربعات البنيوية والإحالات النقدية التي لا يحسن قراءة كثير من جملها، يتابع نقدا حقا يبحث عن هوية.
وفي إحدى الأمسيات الشعرية الراقية قدّم شاعر مبدع قصائده وعلى غير العادة بدأ الجمهور يتفاعل ويهتف له، ثم قام أحدهم من مجلسه وقال: اقرأ البيت الثالث لو سمحت. وقام آخر قائلاً: المطلع بعد إذنك. وعبارات الثناء تتوزع هنا وهناك حتى أنّ كهلاً قال متفاعلاً: لم أحفظ بعد قول المتنبي:
يطأ الثّرى مترفّقاً من تيهه كأنّه آسنٍ يجسّ عليلا
فظلم بقوله شعراء كثراً، ولكن يبدو أنها كلمة احتجاج على ما يُنشر من شعر في هذه الأيام، ويتزامن هذا كله مع هروب نقدي نحو الذات؛ فالنّقاد ينغمسون في نظرياتهم المتداخلة والمنفّرة؛ ضعيفة الأداء، ركيكة الترجمة، حتى أن العربيّ يشكّ في عربيّته حينما يقرأ بعض دراساتهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ فأصبح لهم لغتهم الخاصة بهم التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في نقدهم.
أما إذا تحدّثت لهم عن النقد العربي ونقاده، وعن عبد القاهر الجرجاني خاصةً، رأيت?Z القوم يرمقونك بأعينهم، ويعدّون هذا إجحافاً في حقهم؛ فيصغّرون كبار النّقاد الذين أسّسوا جهداً نقدياً يكرّر الغربُ كثيراً اليوم، ويعظمون أنفسهم بالمؤتمرات والندوات؛ فيتبادلون الثّناء، ويزفّون لبعضهم بشرى النّجاح. والإبداع والنّقد يجلس هناك على صخرته دون أيّ اهتمام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد