انتظار

mainThumb

01-12-2008 12:00 AM

كان هناك واقفا على مقربة من باب يفتح كلّ لحظة وحين ، كان لا يفعل شيئا سوى الانتظار فيعمد إلى أن يصبّّر أنفاسه الثائرة، ويهدئ من روع قلبه النابض بالخوف،بل ويقنع نفسه أن دوره في الدخول قد اقترب ،وأنّ الزمن الطويل في الانتظار قد انقضى وقد آن لعذابه أن ينتهي.

لكنّه يكتشف وفي كلّ مرّة أنّه لا يتزحزح قيد أنملة فالمكان الذي اعتاد الوقوف فيه مازال هو هو ،وأنّ الباب الموص?Zد في وجهه مازالت صورته مستقرة في بؤبؤ عينيه المنحدرتين من القرى البعيدة ،وأنّ المعاناة التي حملها على كاهله منذ كان واقفا والناس يمرون من ذاك الباب مازالت تعيد له المشاهد نفسها .

لكنّ شيئا واحدا فقط هو الذي تغيّر إنه صورة الشاب الذي كان واقفا أمامه لم يعد هو هو ،وإن كان الرقم الذي يحمله هو نفس الرقم الذي حمله م?Zن كان واقفا قبله ؛ليكتشف بعد حين أنّ الرقم المحمول للتعريف بالأشخاص يثبت وإن تغيرت صورة الاشخاص وماهيتهم .

وتبدّلت ملابسهم وألفاظهم ،وقوة سطوتهم ،وصورة ظهورهم. صمد طويلا وتأنّى طويلا وعاث فسادا بالألفاظ غير المسموعة طويلا ، وكتب طويلا على لوحة تخزّن الأشياء في الذاكرة ،هي ذاكرة تمحو كلّ شئ حين تحين الساعة ولا رادّ لأمره ،تخيّل طويلا كيف سيتسلسل في المقاعد شيئا فشيئا ،كيف سيكون موظفا بسيطا إلى مشرف ثمّ الى مساعد مدير ثمّ الى مدير فإلى أمين عام.

قد غاص في الأحلام يتأمّل طويلا كيف سيحقق هذه الأحلام شيئا فشيئا ، كيف سيفتح بيتا ويختار رفيقة دربه على موعد من هاهنا قريب،ليكون له أطفال يأخذون منه نصف الراتب كي يشتروا الحلوى فيلعن ساعتها يومهم الذي جاءوا به لأنّ الراتب لا يكفي لكلّ هذه المسخرة ،فأمامه ولائم قد حان موعدها، ولديه سيارة تحتاج للوقود ،ولديه زوجه تطلب الكثير ،ومصاريف دواء وفاتورة كهرباء وأخرى للماء ،ومصاريف للرحلة الشهرية ،وأخرى للتخزين والتصميد والتجميد،ومصاريف تنفق على والديه الكادحين وقد نخر المرض عظامهم البالية وقد اشتدّ بهم الانتظار حتى شكا الانتظار منهم..

أحلام كثيرة ما زالت تدور في مخيلته،تقفز من ها هنا وهناك يحلّق معها وتحلّق هي به،يلعب معها وتلعب هي به ،يغلبها تارة ليعود بها إلى الحقيقة وتغلبه كثيرا لتنقله الى عالم برزخيّ .

هي ذاتها الأحلام التي كان يصبّر نفسه بها منذ كان في العشرين من عمره ،وهي ذاتها الأحلام التي رحلت معه إلى عالم الآخرة يوم فتح الباب له لأول مرّة وآخر مرّة.فيكتشف في النهاية أنه انتظر طويلا الموت له ولأحلامه .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد