الشخصية المتخفية .. بين الحرية والمسؤولية

mainThumb

24-12-2008 12:00 AM

لقد أدى التطور التكنولوجي الكبير إلى ازدياد أهمية الحاسوب في شتى مجالات الحياة المعاصرة ، ونتيجة لازدياد العمل بالحاسوب فان ذلك أدى إلى نشوء جرائم ناتجة عن ذلك الاستخدام ومنها الجرائم الواقعة على الأشخاص مثل جرائم القذف والسب والتعرض للحياة الخاصة عبر الانترنت .

ولهذا فقد برزت في الآونة الأخيرة؛ المدونات والوكالات والمواقع الالكترونية الإخبارية ؛ من خلال استخدام (الويب) الذي يتسم بالعمومية ولايقتصر على مستخدم دون آخر، حيث يتم عرض تعليقات وآراء للقراء باسماء مستعارة ويكون مضمونها المساس بحق الحياة الخاصة وإلحاق الاذى بالمركز الاجتماعي والأدبي للإنسان من خلال القذف والسب عبر الانترنت .

هنالك مصلحتان متعارضتان ؛ فقد يعتبر البعض أن التخفي خلف اسم مستعار من شانه أن يمنح المتخفي هامشا اكبر من الحرية والانطلاق دون قيود أو مسؤولية وكأنها شكلية لاتستدعي الوقوف عندها أو التخلص منها ،إلا أن الجانب الآخر يرى أن الكلمة مسؤولية والمسؤولية تختفي مع الأسماء المستعارة ولا قيمة لكلمات يكتبها أشخاص دون ذكر لهويتهم ؛ فالاسم المستعار أصبح يتخذ مطية للتشهير أو الإساءة للأشخاص أو الأديان ؛ فيقول صاحب التعليق حامل الاسم المستعار ما يشاء وكيف يشاء دون رقابة أو مسؤولية ، لأنه يرى نفسه محميا من أية تبعية يمكن أن يجرها عليه اسمه الحقيقي .

وعليه ؛ فإننا أمام مصلحتين متعارضتين ؛ فالأولى مصلحة فردية والثانية مصلحة المجتمع ، فإذا تعارضت المصلحتان ، كانت مصلحة المجتمع أولى بالرعاية والاهتمام . فالحرية المتزنة هي تلك الحرية المبنية على الوعي والتي لا تخرج عن النص الأخلاقي أو تنتهك الحرمات أو تثير الفتن أو الضغائن بين المجتمعات ، فإذا خرجت الحرية عن هذا الإطار أصبحت محاولة شقية لطرق باب الحرية المطلقة شعارها من امن العقوبة أساء الأدب .

لقد وجد الكثير من أصحاب الأسماء المستعارة من القراء ضالتهم عبر شبكة الانترنت ؛ ليعيثوا في المدونات والمواقع الالكترونية فسادا لنشر سمومهم دون حسيب أو رقيب ؛ وكأنهم في حفلة تنكرية وملثمون بلا حدود أو مسؤولية ،ويبدون آراءهم ومشاركاتهم بغرائزهم وعواطفهم دون عقولهم بلغة تفتقد للاتزان وبعبارات يجانبها الذوق والكياسة و الاعتدال ،وألفاظ تعج بالاستهزاء والسخرية والتعرض لكرامة الإنسان ، وكأننا في عهد وحوش الانترنت التي تدخل بأسماء مستعارة لتصطاد وتنقض على فريسة من هنا وفريسة من هناك . وفي هذا السياق ؛ تقتضي القواعد العامة بان المسؤولية القانونية والأخلاقية تقع على مستخدمي الاسماء المستعارة اذاما ترتب من خلالها جرائم القذف والسب لأنه قد ت?Zحقق شرط العلانية عبر الانترنت ،وهذا يُستشف من أحكام المادة (73) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته ،وكذلك فقد فرض المشرع الأردني حماية إضافية لشرف الإنسان واعتباره وذلك في المادة (75/أ) من قانون الاتصالات رقم (13)لسنة 1995 والتي نصت على انه :( كل من أقدم باي وسيلة من وسائل الاتصالات رسائل تهديد او اهانة او رسائل منافية للآداب، او نقل خبرا مختلقا بقصد إثارة الفزع يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن شهر ولاتزيد على سنة اوبغرامة لاتقل عن (300) دينار ولاتزيد عن (2000) دينار او بكلتا هاتين العقوبتين) . وعليه ؛ فانه لم يعد الاختفاء خلف جهاز الحاسوب او استعمال الاسم المستعار أمرا يكفل التستر عن الأفعال المخالفة للأخلاق أو القانون بل تبقى المسؤولية مفترضة وقائمة سواء جنائية كانت أم مدنية .
 وأخيرا نقول؛ أن ظاهرة استعمال القراء أسماءً مستعارة لإبراز تعليقاتهم تستدعي منا الانتباه لما تحمل من الشرور والآثام ومعاول هدم ودمار؛فتطلق سعارها المحموم وفحيحها المسموم ؛ لنشر الأباطيل وتشويه صورة الوطن وبث الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد ؛ من خلال استغلال عالم الفضاء ألعنكبوتي لإفساد عقول الناس في جوقة التهريج والكلام غير المسؤول ؛ ومن هنا تتوالد الأسئلة المشروعة ، لماذا يلجأ القراء للاستعمال الموسع غير القانوني للأسماء المستعارة ، والاختفاء خلف شخصية وهمية ، هل هو عامل الخوف من الآخر أم الهروب من المسؤولية أم هو انفصام في الشخصية أم أننا أمام أزمة للحرية ، ولكننا نقول إن قيمة الرأي والموقف والكلمة لايكون لها معنى إلا مع تحمل المسؤولية الكاملة ، أما النشر والكذب فهما مرتع وخيم وطريق إلى الهلاك اليقين ، مصداقا لقوله تعالى(ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) صدق الله العظيم .
Malek_kh71@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد