صالح القلاب والانقلاب المطلوب

mainThumb

24-01-2010 12:00 AM

موسى إبراهيم أبو رياش

صالح القلاب صاحب خبرة وتجربة كبيرة وممتدة في الصحافة والإعلام والسياسة، ومارس المعارضة والموالاة على حدٍّ سواء، ولذا فلا أظن أنّ?Z الرجل مسكون بهاجس تصفية الحسابات مع الإسلاميين أو غيرهم، أو أنه جاء لأجل أجندة معينة، وإنما اختير لهذا المنصب الحساس لأنه رجل مهني لإنقاذ سفينة الإذاعة والتلفزيون التي توشك أن تغرق رغم الإدعاء بنسبة مشاهدة 42% في استطلاع يحتاج إلى استطلاع؛ لأنّ?Z هذه النسبة لا تنطلي على الصبية وطلبة رياض الأطفال، وتثير من الألم والأسى أكثر مما تثير من الابتسام والضحك.

صالح القلاب كاتب من الطراز الأول، قد تتفق معه مرة واحدة وتختلف مائة مرة، ولكنّ?Z الاختلاف يبقى في إطار الفكر والرأي الذي يوسع الرؤية ويجدد الحياة، ويفترض أن يحظى بالاحترام والتقدير مهما بدا معادياً أو محرضاً أو متجنياً، فالرأي يقارع بالرأي لا بالعصا والهراوة.

عندما يكون المرء بعيداً عن المسؤولية المباشرة، فله أن يقول ما يشاء ويكتب ما يحلو له ضمن الضوابط المتعارف عليها، ولكن عندما يتسلم مسؤولية تمس الجميع فعليه أن يترفع عن خلافاته، وأن يوظف مسؤوليته لخدمة الجميع دون استثناء، فكلنا أبناء وطن نحبه وننتمي إليه، فلا مجال للمزاودة وتجريد الآخرين من وطنيتهم، ووضعهم في خانة الأعداء لمجرد الاختلاف. قد نختلف جميعاً في كل شيء، ولكننا جميعاً نتوحد في حبنا للوطن وحمايته.

رغم الاختلاف الكبير مع صالح القلاب إلا إنه رجل يستحق الاحترام، خاصة وأنا لا زلت أتذكر أنه أول من أوعز ببث الأذان حياً على شاشة التلفزيون الأردني عندما كان وزيراً للإعلام وذلك عندما سأله عن ذلك الأخ سميح المعايطة في برنامجه المرحوم وجهاً لوجه، فقد استجاب الرجل فوراً دون تلكؤ أو تردد.

مهمة صالح القلاب صعبة جداً، ولكنه قادر على إنجازها إن اتخذ الأسباب والوسائل المؤدية إلى ذلك. الإصلاح الإداري سهل وميسر وبحاجة فقط إلى الرؤية الواضحة والحزم والشفافية الكافية والعدالة. وتكمن الصعوبة في أن تتغير نظرة المشاهدين إلى التلفزيون الأردني، ويتحول إلى شاشة جاذبة ومثيرة، وذلك لن يكون إلا بأن يكون التلفزيون تلفزيون وطن لا تلفزيون حكومة وفئة، ويحتاج ذلك إلى فتح أبواب التلفزيون لجميع الأطياف والفئات دون عوائق أو حواجز أو قيود، ولنا في تلفزيونات الدول المتقدمة خير شاهد ودليل.

من السهل اتهام المعارضين بالتخوين والأجندة الخارجية ما دمنا نحجر عليها ونمنع صوتهم من أن يسمعه أحد، فيتوهم البعض أن السكوت علامة الرضى. ولكن صاحب الفكر الثاقب والرأي الحصيف يفتح للآخرين منافذ النور والضياء ليتكلموا بالحجة والدليل ومقارعة الرأي بالرأي والكلمة بالكلمة، وعندها فللمشاهد حرية المشاهدة وله أن يحكم سلباً أو إيجاباً.

إذا أردت أن تعرف حقيقة الأشياء من زيفها فاعرضها تحت الشمس وفي الهواء الطلق، فهناك تظهر الحقيقة الجلية والمعدن النفيس من الزائف. وصاحب الحق لا يتردد أن يتكلم تحت الشمس إن سنحت له الفرصة، أما صاحب الباطل فلا يتكلم إلا في الظل وفي الأنفاق، وصاحب الفكر إن قدر وكان مسؤولاً عليه أن يستمع للجميع دون تصنيف أو إقصاء، ولتكن كلماتهم لهم أو عليهم.

ما المانع ما دمنا ندعي الديمقراطية والحرية والمرونة والشفافية أن يستضيف تلفزيوننا الأردني جميع الأطياف في برامج حوارية تعرض أفكارهم ورؤاهم وبرامجهم واختلافاتهم، ولم يختلفون مع الحكومة أو يتفقون معها، وما هي أفكارهم وتطلعاتهم. ولم لا يكون هناك برامج ثقافية تستضيف جميع أطياف الأدباء والمثقفين دون تغييب أو تهميش فيتعرف المشاهدون إلى أدباء الوطن شعراء وقاصين وروائيين وكتاب وفنانين وغيرهم. ولم لا يعرض التلفزيون مشاكل وهموم جميع شرائح المجتمع ووضعها تحت تصرف المسؤول ليسارع إلى إيجاد حلول لها إن كان يسعى إلى ذلك كما يفترض. وما الذي يقف بين التلفزيون وبين أن يتغلغل في القرى والأحياء والبوادي فينقل لنا معاناة هؤلاء ومشاكلهم ومطالبهم وحقهم أن يعيشوا كالبشر. ما الذي يمنع من إحداث حراك سياسي اجتماعي اقتصادي فكري ثقافي يساهم في رفع سوية المشاهدين ويعزز ثقتهم بتلفزيونهم الوطني ويرغبهم بمزيد من المتابعة الحقيقية الجادة والحثيثة بدلاً من نشر أرقام لا تمت للحقيقة بصلة ولا تساوي بصلة.

التلفزيون الأردني بحاجة إلى ثورة بيضاء حقيقية، وهذه مهمة منوطة بصالح القلاب، ومنه يرتجى أن يقود هذه الثورة البيضاء، أو على الأقل الانقلاب الأخضر. لا نريد لتلفزيوننا أن يحطم الأرقام القياسية وهذا حقه إن شاء، ولكن على الأقل أن يكون في المستوى المطلوب من حيث الأداء والمضمون وما يقدم للمشاهد، وأن يكون تلفزيوننا الأردني حاضناً لكل المبدعين والمميزين إعلامياً وفنياً وثقافياً، وأن يكون مدرسة إعلامية لها وجودها وتأثيرها كما كان في السابق.

ندرك أن المطلوب كبير، والأمل مرتفع السقف، ولكن دعونا نستبشر خيراً، فعسى أن يأتي ابن القرية الوادعة الجميلة صالح بصالح وصلاح الحال والأحوال، ويقلب القلاب الأوضاع إلى أحسن ما يرتجى ويؤمل.

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد