مشروع آلون وتلك المسرحية التي يسمونها السلام

mainThumb

27-01-2010 12:00 AM

حسن بلال التل

قد يجهل او يتناسى الكثيرون انه في العام 1967 وقبل النكسة بأشهر قليلة ظهر على الساحة السياسية ما يعرف بمشروع آلون، والذي وضعه وشرحه فيما بعد نائب وزير الدفاع ووزير العمل الاسرائيلي إيجال آلون أحد الآباء المؤسسين للكيان الصهيوني وأحد قادة الهاجاناه.

ولقد قرأت مشروع آلون هذا خلال الفترة الماضية بعد ان لفت انتباهي له احد الاصدقاء، والمشروع رغم قصره وايجازه في نقاط واضحة ومحددة وعملية، يحتاج بحق الى ايام طويلة لاستيعابه بالكامل ومن ثم ادراك ان هذه الوريقات القليلة التي كتبت قبل اكثر من 40 عاما، والقائمة على فكرة التوسع الصهيوني، وحماية الاراضي الاسرائيلية باستخدام أمرين: الحواجز والموانع الطبيعية، والدول والكيانات السياسية، ما زالت تشكل حتى اللحظة خطة العمل الرئيسية لكل الحكومات الاسرائيلية منذ وضع المشروع وحتى يومنا هذا، بل حتى انها تتحدث عن مخططات ومشاريع السلام وانشاء الدولة او (الكيان) الفلسطيني، في تلك الفترة التي ما كان فيها احد من كلا الطرفين (العرب والاسرائيليين) يتصور هذا السيناريو.

فمشروع آلون يتحدث من ضمن ما يتحدث عن انشاء كيان فلسطيني أشبه بالدولة يقوم ويستمر تحت اشراف عسكري اسرائيلي مباشر قد يمتد لـ20-30 عاما بحيث يرسخ هذا الامر فكرة وصورة الوضع القائم، ولا يعود هناك مجال لاشتعال حروب او قيام مطالبات جديدة، على ان يكون هذا الكيان مقاما ضمن اراضي الضفة الغربية ويحده نهر الاردن او اجزاء من اراضي الاردن والبحر الميت، ويحيط به مانع صناعي اقترح آلون في حينها ان يكون مجموعات من المستوطنات والتجمعات العسكرية. اما بالنسبة للقدس فقد نص المشروع حرفيا على تفريغها من سكانها العرب بالقتل او التهجير، وضم القدس الشرقية الى ملاك بلدية القدس الغربية، وإحاطة المدينة والمسجد الاقصى (جبل الهيكل) بسوار من المستوطنات والأحياء اليهودية، والعمل على اخراج القدس من اي حوارات ومباحثات للسلام، وازالة اي معالم عربية للمدينة، ليس فقط لاهميتها الدينية لليهود، بل بشكل اكبر لموقعها الاستراتيجي الهام في قلب الكيان الصهيوني، اما بالنسبة لغزة فاقترح المشروع تفريغها من سكانها العرب ونقلهم الى كنتونات داخل الكيان العبري او الاراضي الفلسطينية، بحيث يتحول كل كنتون منها الى امارة مستقلة سياسيا اشبه بما كان عليه الحال في لبنان ايام الحرب الاهلية، وإن لم ينجح هذا التصور فيجب ابقاء غزة مغلقة ومعزولة، مع ابقاء السيطرة على المعابر والطرق الرئيسية من والى القطاع بيد اسرائيل، وبتعاون (دولي واقليمي).

هذه بعض من ملامح مشروع آلون الذي وضع قبل النكسة وقبل عمليات السلام وقبل 43 عاما من يومنا هذا، والآن لنقارن ما جاء في هذا المشروع وما هو حاصل الآن وما هو مفروض على الرئيس محمود عباس ويتم تطبيقه: اولا اسرائيل توافق على قيام الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح عديمة الحدود تحت اشراف عسكري اسرائيلي طويل الامد داخل اجزاء من الضفة والتي يحدها من احد الجهات الاردن ومن بقيتها مانع صناعي استعيض فيه عن المستوطنات بالجدار العازل، والقدس الشرقية تم ضمها الى ملاك بلدية القدس الغربية بعد احتلالها بيوم واحد، وبدأت اعمال انشاء المستعمرات بعد 18 يوما من الاحتلال وما زال الاستيطان مستمرا، اضافة الى رفض كل الحكومات الاسرائيلية التفاوض على وضع القدس، اضافة الى تفريغ المدينة من سكانها الاصليين والعمل على تدمير اهم ملامح المدينة العربية والاسلامية المتمثل بالمسجد الاقصى والذي فيما يجزم الخبراء لن ينقضي هذا العام الا وقد هدم، اما غزة التي فشلوا في تفريغها فقد طبقوا فيها سياسة الحصار والاغلاق والسيطرة على كافة المعابر، وبتعاون دولي واقليمي، ولا احد ينكر ان الجزء الاكبر من حصار غزة هو حصار عربي تقوم به مصر، اضف الى هذا ان الكيان الاسرائيلي نجح في زرع الفتنة في الداخل الفلسطيني محولا إياه الى كنتونات وامارات سياسية كل منها يتبع لحزب او جهة او مجموعة معينة ومتناحرة مع البقية.

والغريب في الامر انه وبعد وفاة آلون ونشر اجزاء من وثائقه تكشف ان الكثير من الدول العربية والاجنبية قد وافقت مباشرة او ضمنا على نصوص هذا المشروع، وكان الرافض الوحيد له حينها هو الاردن، وبنظرة خاطفة نجد ان كل التاريخ الاسرائيلي يؤكد ان كل ما قامت وتقوم به اسرائيل بمساعدة من بعض الدول والقوى السياسية الفلسطينية والعربية والدولية منذ 1967 وحتى الان هو تطبيق حرفي لمشروع آلون، وهم جميعا على علم بذلك. ما يجعل من عملية السلام الفلسطينية برمتها منذ بدايتها وحتى الان وكل الجهود الرامية "لاحيائها" و "المضي قدما" بعملية السلام مجرد تمثيلية سخيفة، يسيّرها العالمون ببواطنها لمصالح شخصية، وينقاد وراءها الجاهلون بها كالدمى في مسرح العرائس.

من موروثنا الاسلامي عن النبي الكريم (ص) قوله: (من عرف لغة قوم أمن شرهم)، ومن موروثنا العربي المعاصر (أننا أمة لا تقرأ)، وقد يكون في هذه السطور التي لا تمثل سوى النزر اليسير من هذا المشروع وشروحاته وما بني عليه على مدى 43 عاما أكبر مصداق على أننا لا نقرأ ولا نتعلم ولا نتعظ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد