دخان الوزارة ونارها ..

mainThumb

04-04-2010 04:00 AM

أخبرنا أبو حيان التوحيدي :  " أن الجرجرائي عرض يوما على أبي سليمان المنطقي رغبته في تولي الوزارة في دولة بني العباس، فسأله المنطقي قائلا : هل تطيق دخانها، قبل أن تحرقك بنارها؟؟ فأجاب بـ : نعم. وبعد فترة من الزمن وإذا بالجرجرائي وزيرا، ولكن لم يطل عليه الوقت بمنصبها إلا وقد دخل السجن، وقطعت يداه...!!، فعلق أبو سليمان قائلا: حَرَقته بنارها قبل أن تَخْنقه بدخانها...".


فوطيس تولي حقيبة وزارية قد يجر مهلكة وندما، خاصة في بلد تملؤه الأهواء، وتتقاذفه الشائعات، وينتشر في شوارعه، وحاراته، وصالوناته السياسية اللغو، والفتك بأجساد العباد، ووري شرر الزناد، فنجد الكثير من الناس الذين يوردون من أحبوا أو كرهوا موارد الهلاك .


فعندما يتقلد أحد الناس حقيبة ما يأتيه في بداية توليه لهذا المنصب المهنئون، ويشمر عن سيقانهم المحبون، ويقف بين يديه المُبجِّلون، والمقدِّرون، ويتدافع نحوه من يقدم النصح والإرشاد، ويحذره من مغبة الرشوة والفساد، ويهديه لأخذ العبرة والموعظة من سير السابقين، وأخبار السالفين والمتقدمين، ويحذره من أن تكبو ركائبه، وأن لا تجود بالغيث سحائبه. فيكتوي دولته أو معاليه بنار المحبين المنتهزين، وتحرقه رمضاء الحاقدين ، و ترميه سهام الكارهين، و تطعنه سنان الرافضين ، فهو أمام فئتين الأولى شر من الثانية. فالأولى تجمل الصورة، وتجعلها بهية، والثانية تلونها بالسوداوية. فإذا ما اقترف الرجل خطيئة، أو ارتكب جريرة، كثر شانئوه، وقل شاكروه، وتنفس الصعداء كارهوه، ونكص على أعقابهم محبوه؛ فيكون في غيابات الجب وحده، وينشر المحبون والكارهون الشائعات ضده. فتوحدهم المصالح والأهواء، ويجمعهم الشيطان على الإغواء.

هذه حال المناصب الوزارية، وحال حاملي حقائبها السنية. الصورة رائعة في أيامها الأولى، مشوهة في ساعاتها الأخيرة. حيث تتكالب عليه مراكز الدراسات وأسئلة الاستطلاعات، وتكون نسب الرضا متدنية، وآراء العباد متجنية، ويكون في ذلك مؤشر أولي على طرح الثقة، وانقلاب الهوى، وتبدأ رحلة العبث والاغتيال، وطرح الشائعات والتقولات دون وجود ما ُيستند إليه من حقائق دامغة، أو إثباتات دالة ، وينتهي المطاف بالإقالة أو الاستقالة، فيحترق دولته أو معاليه بنار الوزارة ويذر في عينيه رمادها قبل ان يخنق بدخانها،...


فيا أيها الناس، ويا بعض قادة المجتمع المدني، ويا أيها القلة من الكتاب، والصحفيين الباحثين عن السبق الصحفي الهابط، والشهرة الرخيصة، لا تعيشوا على ضبابية الكلمة، ولا تقتاتوا على سادية المقالة، أو تتسلقوا عبر سوداوية الصورة. اتقوا الله العظيم بكل ما تفترون وتكتبون ، وبكل ما به عن الحقيقة تحيدون. كونوا منصفين وصادقين مع الله، ومع أنفسكم، ومع الناس ، ولا تسهموا بقتل الشخصيات وطرح الشائعات، فالوطن للجميع، والحقيقة أقوى من التضليل، وارتاحوا وأريحوا ، ولا تطفئوا أي بصيص أمل في نهاية النفق.


ورحم الله التوحيدي، وغفر له ولنا ، فإن في مقابساته، وبصائره، وأخلاقه، فيض من العبر، ومحاسن ومساوئ أخبار البشر. و عذرا لكم أعزائي القراء فلحديثي معكم بقية ...
 
yahoo .cm @ alnooti_2005



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد