بين دستورية النقابة وتسييسها

mainThumb

03-05-2010 05:25 AM

ما زالت الحكومة تتمترس خلف قرار المجلس العالي لتفسير الدستور بعدم جوازية نقابة المعلمين، معتبرة التفسير نصاً لا يقبل النقض ولا يقل قوة عن نص الدستور، وهي بذلك تريح نفسها، وتتذرع أن التفسير لم يتم في عهدها وليس بطلب منها، وإنها لا يمكن مطلقاً أن تخرق الدستور الذي جاءت لحمايته، وكفى الله المؤمنين القتال.


وإذا كنا نعتبر الدستور هو عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، فإن من مقتضيات العقد أن يُعدل بطلب من أحد طرفيه أو كليهما إن كان يحقق مصلحة لا شك فيها، فكيف إذا كان عدم التعديل يمكن أن يتسبب بمشكلة تربوية تلوح في الأفق إن لم تتخلى الحكومة عن تخندقها وراء التفسير الدستوري الذي خالف حالة دستورية كانت ماثلة للعيان بوجود نقابة معلمين سنة 1957 تحت مظلة الدستور نفسه، وهي حالة يفترض البناء عليها عرفاً وفقهاً لا مخالفتها ونقضها.



الحكومة في أكثر من تصريح تخشى من تسييس النقابة، ولعل هذه الخشية هي وراء الرفض القاطع لأي حديث عن النقابة، ولكن الحكومة نفسها هي من تسييس الحديث عن النقابة عندما تدفع مرتين بالمستشار السياسي لرئيس الوزراء الأستاذ سميح المعايطة للحوار حول النقابة مرة في مجمع النقابات ومرة في قناة الجزيرة، وهي بذلك تؤكد الأسباب الكامنة خلف رفض النقابة، مما يدل على أن قرار الرفض هو قرار سياسي بالدرجة الأولى وليس دستورياً، لأن الدستور يقبل التعديل أينما كانت ثمة مصلحة، وخاصة إن كانت هذه المصلحة تمس حياة 150 ألف أسرة أردنية على الأقل.




الحكومة تطرح فكرة الروابط واتحاد الروابط التي سوف تقوم –حسب قولها- بجميع مهام النقابة، فالعبرة بالمضمون وليس الاسم، وما دام الدستور يمنع النقابة، فلنتفق على روابط للمعلمين، ولا مشاحة في الاصطلاح، وفي هذا الطرح تكمن خطورة كبيرة، وترتكب الحكومة تجاوزاً دستورياً لأن تفسير النص لا يعني الاسم وإنما المضمون، وإذا كان المضمون واحداً فلم تصر الحكومة على رفض النقابة والتمسك بالروابط المتحدة.




ثم إنَّ الحكومة التي تتخفى وراء التفسير الدستوري بحجة حماية الدستور هي من تخرق الدستور بإصدارها قوانين مؤقتة في غياب السلطة التشريعية، ولا اعتبار هنا للحالة الاضطرارية والمستعجلة فدلوني على قانون مؤقت واحد صدر في تأخيره هلاك البلاد والعباد، ولكن الاضطرار حالة نسبية تكيفها الحكومات حسب ما تريد.




المطلوب أن تتقدم الحكومة باتجاه المعلمين، وأن تتدارك الأمور قبل تبعثرها واضطرابها، وأن تسعى للتوصل إلى حل يرضي الطرفين، ولتعلم أن الخلافات التي بدأت تدب بين بعض لجان المعلمين لن تصب في مصلحة العملية التربوية بل ستزيد من البلبلة والضبابية، وسينعكس كل ذلك سلباً على معلمينا وطلبتنا وبالتالي أردننا الذي نحب ونهوى، ولتدرك إن سعيها ذاك ليس تنازلاً ولا خضوعاً، فهي لا تتنازل لعدو، ولا تخضع لمبغض، وإنما لتحتضن قلوباً أدماها الظلم، وتضم أرواحاً أضناها الهجر، وهي وهم سائرون في مركب واحد، لا يمكن لأحد أن ينجو فيه بنفسه.



وما المانع أن تستعين الحكومة بوسطاء من الحكماء وأهل الحل والعقد ممن يحظون باحترام وتقدير المعلمين للحوار معهم والتوصل إلى صيغة مناسبة، وعلى الأقل تمديد عطوة الإمهال من نهاية أيار إلى ثلاثة أشهر أخرى، فمصلحة الوطن لا تخضع لمنطق الغالب والمغلوب، ولا لعنجهية المكاسرة، وإنما هناك اتفاق وتلاقٍ وحوار يفضي إلى نهاية تليق بمعلمي الأردن جنود الوطن المخلصين الأوفياء الذين ما خذلوا قومهم يوماً، وما باعوا وطنهم بثمن بخس، رغم كل المعاناة والتعب وقلة التقدير، ورغم كل الظلم والقهر والعسف.

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد