الساعة الثالثة والعشرون قبل ولادة الوطن البديل …

mainThumb

16-05-2010 07:00 AM



      يبدو أن تكفين الوطن البديل الذي أُعلن عنه بعد التوقيع على معاهدة وادي عربة لم يكن تكفينا كاملا، وإن الطبيب الذي أشرف على موته السريري قد خانه التشخيص، وإن قماش الكفن لم يغطِّ جسده كاملا. لقد قال لي ممن دفعه الفضول حينها: إن الوطن البديل لم يُكَفَّن بل كُفِّل. لقد كان صاحبي محقا بكلامه وقتها، فالوطن البديل قد كُفِّل ولم يُكّفن، وإن الكفيل لم يلتزم بأمانة الكفالة فأطلقه من قيده وسرَّحه من عقاله، فعاد يحمل شؤمه من جديد. والغريب أن الصهاينة يستعجلون هذه الأيام حالة ولادته القيصيرية؛ لأن ما يخططون له في دهاليزهم السياسية، وما يُولِّدونه في حاضناتهم الاستخباراتية له يعمدونه بقداسة التوراة ويطلبون له مباركة الرب .




     وكلما ضاق الخناق على أعناق دهاقنتهم كلما طرحوا على طاولة السياسية الشرق أوسطية مخططاتهم الجهنمية من جديد. وإن ألعوبة الوطن البديل التي ينادون بها ما هي إلا واحدة من أوراقهم التي يعبثون بها بأمن المنطقة، فهذه اللعبة الخطيرة لا تهدد أمن الأردن وكيانه السياسي فحسب، إنها تهدد جميع دول الجوار، بل وتهدد العرب جميعا.




     لكن الغريب في الأمر أن الرد الأردني على هذا الطرح الصهيوني العدواني لم يكن إلا ردا شعبيا فقط، والأغرب من هذا أننا لم نرَ حراكا رسميا أردنيا فاعلا و حاسما، ولا عربيا رسميا وشعبيا شاجبا ولا محذرا. وفي ظني أن السبب يعود في ذلك إلى حالة التقصير السياسي والإعلامي الرسمي الأردني الذي لم يفعِّل دوره على مرأى العالم ومسمعه؛ ولم يفضح خطورة هذا المؤامرة الصهيونية، ويكشف زيفها وعدوانيتها.




     لقد ارتفعت في الآونة الأخيرة درجة التوتر السياسي الأردني، وأشار (البارومتر) إلى تزايد ملحوظ على نسبة سخونة هذا الحراك الداخلي الذي بدا جليا من خلال رد قادة الرأي الوطني برسائلهم التحذيرية المحملة بأعلى درجات المسؤولية الوطنية على القراصنة الصهاينة. فتصدى لذلك المحاربون القدامى ببيان وطني واضح الرؤى والتوجهات ، ثم تبعته مبادرة دولة أحمد عبيدات التي تفيض بقدر كبير من المسؤولية الوطنية الصادقة، وجاء بعدها بيان الباشا عبد الهادي المجالي المتعاضد مع كل ما سبق، وتوالت بيانات الأحزاب والنقابات، وتعليقات الكتاب, وتدافع المواطنون لتأييد ما جاء في كافة هذه المبادرات والبيانات، والتفَّتْ حولها غالبية الأطياف السياسية والشعبية التي أكدت أن الوطن للجميع، وأن التصدي لمؤامرة الصهاينة هو مسؤولية الجميع. مما أكد أن حالة الصحوة السياسية الوطنية قد صحت بعد طول غياب، وعادت بعد زمن من التغييب.




     كما أنه لوحظ أن جميع هذه البيانات متفقة على تشخيص الخطر، ووصف العلاج الذي يسهم في تمتين الجبهة الداخلية، وتماسك الصف الوطني. وإن الأهم فيما وصفته هو تفعيل الميثاق الوطني الأردني الذي أصبح تفعيله ضرورة ملحة ومطلبا وطنيا، مما يستدعي إعادة التصويت عليه من جديد لتمتينه وتقوية فصوله ومواده، وخاصة ما جاء في الفصل السابع منه، والمتعلق بالعلاقة التاريخية بين الشعبين الشقيقين:




((( ـ : إن الهوية العربية الفلسطينية هوية نضالية سياسية، وهى ليست في حالة تناقض مع الهوية العربية الأردنية ويجب أن لا تكون، فالتناقض هو فقط مع المشروع الصهيوني الاستعماري ....، وبهذا المفهوم يصبح الأردن وفلسطين حالة عربية واحدة، بنضالهما المشترك في التصدي للمخطط الصهيوني التوسعي ورفضهما الحازم لمؤامرة الوطن البديل .




ـ : وعلى هذا الأساس ، فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تفهم العلاقة الأردنية - الفلسطينية أو أن تُستغل أيُّ حالة فيها من أي طرف وتحت أي ظرف، لتصبح مدخلا للانتقاص من حقوق المواطنة وواجباتها، أو سببا لإضعاف الدولة الأردنية من الداخل، وخلق الظروف التي تؤدي إلى تمرير المشروع الصهيوني لتحويل الأردن إلى بديل عن فلسطين ...)))




     إن كل من يحاول قراءة هذا الفصل من الميثاق، أو تلك المبادرات أو البيانات الصادرة مؤخرا قراءة منحرفة، أو يهدف إلى خلخلة توجهاتها الوطنية، فهو واحد من اثنين: إما أنه غير واع بخطورة المرحلة، أو أنه مؤيد للطرح الصهيوني الذي سيُفقد فلسطين العزيزة هويتها العربية والإسلامية.




     ولصدّ هذه الهجمة الصهيونية الشرسة فإن الأردن يملك أوراقا قوية تمكنه من حرق كل الأوراق المطروحة على الطاولة السياسية في المنطقة، وتمكنه من قلبها رأسا على عقب، وسينجم عن ذلك قلب جميع الموازين والخطط والبرامج التي يخطط لها الصهاينة وعملاؤهم، وإن أوراقنا الوطنية معروفة للقاصي والداني، وإن شرَّ من يتقن قراءتها هم الصهاينة أنفسهم، وعملاؤهم.




     أيها الأردنيون الصادقون، علينا أن لا نستهين بأي طرح تطرحه الحكومات الإسرائيلية المتتالية، فجميع ما تطرحه له صلة وثيقة بمشروع الدولة الصهيونية الكبرى التي تبحث عن قبائلها العشر الضائعة، وإن هذا النمط من المشاريع التوسعية يُدرس ويُمرَّر في كل المخابر السياسية والأمنية الصهيونية، وتتم قراءة نتائجه بعناية ودقة، وتوضع لها كافة (السيناريوهات) المؤدية إلى الأساليب الأنجع في التنفيذ.




     أيها الأردنيون، إن المنطقة تمر الآن في حالة جدّ خطيرة، مما يتطلب من الأردن الرسمي خطابا دبلوماسيا مدروسا، وعلى درجة عالية من الوعي والإتقان يتولاه قادة سياسيون بارعون، وإعلام مميز؛ لأن المنحنى، كما هو ملاحظ، يسير باتجاه خلق حالة من الفوضى الخلاقة في المنطقة. ويتطلب من الأردن الشعبي والجماهيري أيضا الوعي الكامل بخيوط هذه المؤامرة، والاستعداد لمجابهة خطرها.




       فالمطلوب منا أيها الرابضون على جمر الغضا أن نجهض ولادة الوطن البديل قبل موعدها، وأن لا نصحو في الساعة الثالثة والعشرين؛ ونندم ساعتئذ ندم الكُسَعيِّ. مع تمنياتي لوطني العزيز،قيادة وشعبا، بالعزة والمنعة. وللحديث بقية...


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد