لصوص الفرح

mainThumb

26-06-2010 10:57 PM

يعلم كل من يعرفني او حتى رآني انني لست رياضيا (بالمَرّة).. الرياضة بحد ذاتها كلمة ثقيلة على قلبي وتسبب لي الحساسية، ونادرا ما اهتم لشأنها الا في حدود ما أراها تهم الناس، ولأنني أعلم يقينا ان الناس مخنوقة، -وازدادت هذه الخنقة مع رفع الاسعار الأخير الذي لا يزال طازجا، وما زالت تبريرات وزير المالية له ملتصقة بجدار الحلق تأبى ان تُبلع او تهضم ولا مع 100 لتر صودا او حتى (مية نار)



زاد اهتمامي بالرياضة، لأن الناس تحتاج أكثر الى ما يسلي همهم، ويفرج كربهم، وينسيهم ما هم غارقون فيه من ألم يطابق حال من سقط في عش دبابير، فتجده إن سكن لدغته وإن تحرك لدغته، لذا اصبحت الرياضة مصدرا لهذا النسيان. لأن الرياضة تهم أغلب الناس، اهتم بها.. لذا عندما يكون هناك مباراة مهمة لمصر أذهب الى اي مقهى شعبي واجلس في زاوية بعيدة واتابع ردود أفعال (الجدعان) الذين يأتي كثير منهم الى المقهى بثياب العمل وغبار وملامح التعب لم تُغسل بعد عن جبهته التي لوحتها شمس الاردن.



 وعندما تكون هناك مباراة لمنتخب الاردن اكون اول من يحجز طاولة في اي مقهى او مطعم لأرى كيف تجمع الرياضة من الاردنيين كل ما فرقته السياسة وغير السياسة، وعندما يكون اللعب عربيا ضد دولة غير عربية فلا أجمل من مقاهي قاع المدينة لترى بحق معنى الوحدة العربية، وحدة الشعوب لا وحدة الساسة الملتصقين بالكراسي. وفي هذه الايام يجتمع العرب ومنهم الاردنيون حول اي شاشة يجدونها تبث مباريات كأس العالم، تَجَمّعا يختلف عن كل سابقاته لأن همنا في هذه الايام اكبر من كل ما سبقه من هموم، فالكل يسعى بكل ما أتاه الله من قوة وحيلة ليحضر المونديال، بما في ذلك أصحاب الكروش ومن تسبب لهم الرياضة حساسية شديدة من أمثالي!..



 لماذا؟ لأننا جميعا نبحث عن ساعة من نهار ننسى فيها ان كيلو القهوة اصبح بسعر كيلو اللحم، وعلبة السجائر المحلية عند شعب يدخن 75? منه أصبحت بأجرة عمل نصف نهار عند أغلب من يدخنون السجائر المحلية، ولأن اصطحاب الاولاد الى أقرب متنزه مجاني يعني على أقل تقدير دفع أجرة عمل يوم او يومين بدل ثمن البنزين او اجرة المواصلات فقط وبلا (غموس)، من أجل هذا ومن أجل اضعاف هذا أصبح كأس العالم بصورة غير مسبوقة اولوية ملحة عند الاردنيين. ورغم الشاشات المجانية الموزعة في كثير من الاماكن، والشاشات المدفوعة الاجرة المرشومة في المقاهي والمطاعم والفنادق وحتى الساحات المستأجرة،



 ما زلنا مخنوقين والخنقة تزداد، لأن الاردني ما زال يخجل من الجلوس في مكان عام بين من يعرف ولا يعرف، ولأن ارتياد (القهوة) في عرف الكثيرين منا (معيار)، ولأن (الزلمة الخاثر الثقيل) لا يجوز أن يخرج عن طوره ويظهر ردود أفعاله بين الاغراب، ولأن الأردنيين كانوا وبحمد الله ما زالوا وان شاء الله سيظلون يخجلون أن يصطحبوا نساءهم وبناتهم الى المقاهي والساحات العامة ليتابعن مباريات كأس العالم. أقول هذا بين يدي الوضع المؤلم الذي نتج عن تشفير مباريات كأس العالم لحساب شبكة الجزيرة التي لم تأبه الى ان متوسط دخل المواطن العربي (خارج محيط الخليج العربي) بالكاد يصل الى 100 دولار شهريا، فيما تطلب الجزيرة 75 دولارا لقاء بطاقة فك التشفير لمباريات كأس العالم فقط، هذا طبعا إن تغاضينا عن ان وكلاء الشبكة في مختلف الدول ومنها الاردن لم يعترفوا او يلتزموا بهذا السعر فتضاعف مرات عدة، ورغم اعتراض الكثيرين على طريقة انسياق الناس السلبية وراء مباريات كأس العالم وحجم ما خلقته من حزازات ومشاكل بينهم،




إلا ان الناس معذورون في ذلك، فهم بحاجة الى شكل من التنفيس يخفف ما في صدورهم من كبت وألم بأسلم الطرق.. فإن كان المصري لا يستطيع ان ينفجر في وجه كابوس التوريث، واللبناني لا يستطيع الهروب من الهاجس الامني، والاردني لا يستطيع التخلص من الغلاء، إذن فلندع الناس تنفس عن كل هذا في وجه الفيفا وعبر كأس العالم. أقول ان الوضع مؤلم ليس بسبب غلاء البطاقة فحسب، بل أيضا بسبب صعوبة البدائل، فقبل بضعة أيام كنت امر مساء من امام بوابة المدينة الرياضية حيث الساحة التي تضم الشاشة العملاقة، وكم مزقني مشهدان، الاول لمجموعة من الفتيان والشبان يجلسون على السور الخارجي يحاولون ان يروا او يفهموا مجريات المباراة، بلا صوت وتقريبا بلا صورة ربما لعجزهم عن تأمين ثمن تذاكر الدخول او كلفة المواصلات الى موقع فيه شاشات مجانية.



 والمنظر الآخر لرجل كبير في السن بصحبته شابان وفتاة يبدون في بدايات المراهقة وهو يجرّهم جرّا خارج الساحة، بعد أن أبى أن يُجْلِس ابنته بين مئات من الشبان ليترك عيونهم تلتهمها على مرآى ومسمع منه، فيما الفتاة التي بالكاد جاوزت الطفولة تبكي وهي ترجو اباها -الذي لم يوضح لها سبب هذا الخروج سوى بعبارة: (يا بابا خلص ما بصير اتضلي هون)- ترجو اباها أن يسمح لهم بالبقاء حتى نهاية المباراة. فليعذرني الكبير مظفر النواب إن اقتبست منه (بتصرّف) وقلت: يا اساطين المال ويل لكم (ففي كل عواصم هذا الوطن العربي سرقتم فرحي)... 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد