التحول الرقمي والشمول المالي في الدول العربية

mainThumb

02-07-2025 01:05 AM

يشهد العالم العربي تحوّلًا متسارعًا نحو الرقمنة المالية، بهدف إدماج الفئات غير المشمولة ضمن النظام المالي، وقد ارتفع الشمول المالي الرقمي بشكل ملحوظ. فوفق أحدث البيانات العالمية لعام 2024، يمتلك الآن حوالي 47% من البالغين في المنطقة حسابات مالية رسمية أو محافظ رقمية، مقارنة بما يقارب 45% في 2021، ما يبرز تقدّمًا ملموسًا نحو تضييق الفجوة .

يتضح هذا التوجّه التحويلي في مصر التي زادت نسبة من يستخدمون الحسابات المالية إلى 74.8% من البالغين بحلول أواخر 2024، مدفوعة بتحوّل واسع نحو المحافظ الرقمية مثل Vodafone Cash وMobiCash، وزيادة ملحوظة في مشاركة النساء والشباب . في المغرب، يمسك الآن نحو 44% من البالغين بحسابات، وتسارع انتشار المحافظ الرقمية بعد الجائحة .

أما السعودية، فقد أسهمت سياسات رؤية 2030 في تحوّل جذري في أنماط الدفع: شكّلت المعاملات الرقمية نحو 79% من إجمالي المعاملات في القطاع التجزئي لعام 2024، ارتفاعًا من 70% في 2023، وبلغ عددها 12.6 مليار معاملة غير نقدية .

وفي الأردن، تواصل الثورة الرقمية خوضها بثبات، مع ارتفاع في استخدام المحافظ الإلكترونية بنسبة 6% لتصل إلى 2.17 مليون مستخدم نشط في 2024 وفق بيانات البنك المركزي، بينما أظهر تقرير JoPACC زيادة بنسبة 77.2% في حجم المدفوعات الرقمية خلال العام نفسه . وقد أُطلق في مارس 2024 القانون الوطني للشمول المالي 2023–2028 برعاية البنك المركزي، بهدف رفع نسبة الشمول المالي من 43.1% إلى 65%، وتقليص الفجوة الجندرية من 22% إلى 12% بحلول عام 2028 .

على الرغم من هذه المكاسب، لا تزال التحديات قائمة. إذ تعاني نحو نصف المناطق الريفية العربية من ضعف في تغطية الإنترنت عالي السرعة، كما أن أكثر من 40% من النساء في بعض الدول لا يمتلكن هواتف ذكية خاصة، مما يحد من استفادتهن من الخدمات الرقمية. ولا تزال قضايا الثقة والوعي الرقمي تمثل عوائق رئيسية؛ إذ أشارت دراسات إلى أن ما يقرب من ثلث السكان في بعض الدول العربية لا يثقون بالتعاملات المالية الرقمية، خاصة في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

فرص النمو الاقتصادي لا تزال واعدة. فقد أشارت تقديرات حديثة لشركة McKinsey إلى أن تسريع الشمول المالي الرقمي يمكن أن يسهم بإضافة نحو 130 مليار دولار سنويًا إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بحلول عام 2030، إذا توفرت بنية تحتية شاملة، وأُعززت الأطر التنظيمية، وشُجّع الابتكار، وخاصة في أدوات الدفع الذكي.

يُعد الأردن مثالًا واعدًا لهذه الاستراتيجية، فهو يمتلك بنية مصرفية مرنة، وبنية اتصالات قوية، وتنظيمًا مصرفيًا منظّمًا، كما أن هناك وعياً وطنياً متزايدًا بشأن الشمول المالي الرقمي. ورغم ذلك، يجب تعضيد الجهود للوصول إلى الشرائح الأكثر تهميشًا، مثل المجتمعات الريفية والنساء واللاجئين.

ومن التوصيات الخاصة بالأردن: نشر مراكز تكنولوجيا متنقلة في الأرياف، توفير برامج تمكين رقمي موجّهة للنساء واللاجئين، إدماج التثقيف المالي ضمن المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية الوطنية، وربط منظومات الهوية الرقمية لتسريع وموثقة الوصول إلى الخدمات المالية. كما يمثل إنشاء مؤشر وطني دوري للشمول الرقمي خطوة نوعية نحو متابعة التقدّم وضبط السياسات.

في الختام، تظل الرقمنة أداة ثمينة، لكنها لا تُحقق أثرًا حقيقيًا من دون الثقة، والوعي، والبنية التنظيمية الصلبة. المطلوب اليوم الى جانب التخطيط الاستراتيجي وجود خطط تنفيذية تجمع بين الطموح والتماسك المؤسسي، لنحول التحوّل الرقمي من خطة إلى واقع اقتصادي واجتماعي شامل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد