خدمة العلم .. لماذا الآن؟

mainThumb

18-08-2025 12:15 PM

في الأفق الغائم حيث تتقاطع أصوات المدن المرهقة مع صمت القرى، ينهض الكلام عن خدمة العلم كأنّه جرس متأخر
أيقظ النائمين على أسِرّة الكسل.
الناس، وقد تكسّرت عزائمهم تحت وطأة الأيام، صاروا أشبه بظلال مترنحة في طرقات بلا غاية.
ومع ذلك، يبقى في الداخل صوت خافت يذكّرهم بأنّهم لم يخلقوا للركون ولا للاستسلام.
خدمة العلم عودةٌ إلى ما ضاع. هي أشبه بسيلٍ يقتحم الوادي اليابس فيعيد للحجارة بريقها.
فرصة كي يتعلّم الشاب كيف يمسك السلاح، لا ليقتل، بل ليعرف أنّه قادرٌ على الحماية إذا جاء الغريب.
فرصة كي يستعيد جسده المتعب لياقته، وعقله المشوش صفاءه، وروحه الضائعة معناها.
في المخيّلة، صورة لشابٍ يقف أمام بندقيةٍ لم يلمس مثلها من قبل، يتردد لحظة، ثم يمد يده.
البرودة المعدنية تصعقه، لكنها توقظه في الوقت ذاته..
هناك، في لحظة التلاقي بين الخوف والعزم، يولد الإنسان الجديد.
.
لقد تأخرت خدمة العلم كثيرًا، حتى حسبنا أنّ الأبواب أوصدت، وأن الحدود ستظل مغلقة بوجه الحلم.
لكنّها جاءت، ولو بعد طول غياب، لتقول لنا: استيقظوا، فما زال في الوقت بقية.
ليس مطلوبًا أن نهتف أو نناشد، بل أن نتهيّأ، أن نكون جاهزين للساعة التي لا يُمهَل فيها أحد.

خدمة العلم ليست سيفًا مسلولًا، بل مرآة.
من يقترب منها يرى نفسه كما لم يرها من قبل.
يرى ضعفه فيواجهه، يرى قوته فيستثمرها، يرى وطنه كامتدادٍ لدمه لا كخريطةٍ على ورق.

ولعلها الفرصة الأخيرة لأن نتخلص من وهم الراحة، من خدر الاعتياد، من تآكل الإرادة.
خدمة العلم لحظة فاصلة تضع النقاط فوق الحروف، وتعلن أنّ زمن الغفلة قد انقضى.
فمن لم يجرّب حمل السلاح، كيف له أن يقول إنّه قادر على الدفاع؟
ومن لم يختبر صلابة جسده، كيف له أن يزعم أنّه صامد في وجه العواصف؟
خدمة العلم تجيب عن هذه الأسئلة بلا خطبٍ ولا شعارات.

إنها الدرس القاسي الذي يجعلنا نعود إلى أصلنا، نعود بشرًا قادرين على الوقوف في الصف، لا متفرجين من بعيد.
وهكذا، حين يطلّ الغد، سيكون في الساحات رجالٌ ونساءٌ يعرفون أنّ الأرض لا تُحمى إلا بالعرق والسهر.

وسنكون نحن، الذين أرهقتنا الدنيا وسلبتنا أنفسنا، قد استعدنا ما فقدناه: العقل، الجسد، والإنسانية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد