في بيتنا عنف

mainThumb

26-07-2010 06:47 AM

    هل حقاً أننا مجتمع عنيف ؟! وهل عاد لهذا السؤال الذي كررناه حدّ الملل من مبرر أو مشروعية؟ ونحن الذين صنعناه بأيدينا وخبزنا منه رغيفاً ساخناً نتناوله كل يوم , وأقصد بـ (نحن) ؛ الأسرة والمؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام ولك أن تضع حرف العطف )الواو بعد هذه العبارة قدر استطاعتك .

 
     ولقد تناول ظاهرة العنف مئات الكتاب , ومع كل موقف عنيف مسموع أو مشاهد أو ممارس، تتدفق عبارات الحوقلة والتهليل والتكبير ، و عشرات المقالات  الشاجبة الصاخبة أو الصارخة النادبة، دون أن نتقدم خطوة واحدة لتجفيف ( بالجيم أو بالخاء ) منابع العنف المجتمعي الذي بات ظاهرة تهدد تركيبة أمننا الاجتماعي , وينغص علينا صفو حياتنا , ويحطم منجزاتنا فرادى أو جماعات .


     ولمّا كان هذا الموضوع متشعباً آثرت أن أتناول لقطات سينمائية ( ممنتجة ) وصوراً مختلفة مما نشاهده كمدرسين في الجامعات الأردنية ، أسهمت أو تسهم في تغذية العنف بمثل هذه البشاعة والفظاعة ،ومن هذه الصور :



 المشاجرات الجامعية التي مهما قلنا وأعدنا فيها , وعلى الرغم من أننا ندفن رؤوسنا في الرمال دون أن نشير إلى حقيقة هذه المشاجرات لذلك أقول بمنتهى الصراحة والوعي إنها ظاهرة أو معادلة طرفاها  ( الطالب والطالبة ) . الذين هم غالبا  ،وبخاصة في جامعات الأطراف، من مناطق ريفية محافظة, أو تجمعات سكنية من الطبقات المتوسطة أو الفقيرة ،يأتون إلى الجامعة وفي أذهانهم صور مسبقة عن الحياة الجامعية التي عادة ما ترتبط بالحرية المنفلتة بعيدا عن متابعة الأهل، واكتساب عادات وعلاقات صداقة جديدة غالبا ما تكون مظهرية ومزيفة ، لتتسع الدائرة نحو ارتباطات غير مقنعة  مع الجنس الآخر أساسها علاقات مشوهة للحب والجنس والصداقة ،وخصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أحوال الطلبة ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية والضغوط الأسرية والعقوبات المدرسية على الطلبة في مرحلة ما قبل الجامعة ولا ألوم الشباب في هذه النقلة النفسية التي لم يهيأ لها الطالب أو الطالبة بشكل سليم. فتكون النتيجة أن نسمع بعدها عن مشاجرات أسبابها :


   أقدم الطالب(ع.و) على طعن زميله (ن.ن) بسبب حجز الأول مقعدا مجاورا لصديقته في المدرج فجاء الثاني ليجلس مكانها دون أن يدري !!


 أقدم ( ل . ت)بإخراج موس الكباس من حذائه ليعفر (غ.لأ) بدمه بسبب أن سعيد الحظ طلب مصورة من صديقة الأول وهو يبتسم !!

 

     مشاجرة الكترونية عبر ( facebook ) أو ( chatting rooms ) لتتحول إلى مشاجرة بالسلاح الأبيض و ( القناوي ) و(أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) .


     مشاجرة بسبب أن أحد طلبة منطقة نائية داسوا على طرف منطقته عندما كتبوا بالخط العريض على أحد جدران مدرج المحاضرات أنها منطقة نائية وأهلها بدو !!


      مشاجرة بسبب أن ( الفتوة ) سمع طالباً له علاقة بابنة بلدته التي يبلغ عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة .


      مشاجرة بسبب أن طالباً ( خمّس ) على باب الجامعة فاصطدم بسيارة واقفة لأنه أحس بالزهو والانتفاخ عندما شاهد مجموعة من طالبات سكن جامعي على الشباك يصفقن له.


     مشاجرة بين أنصار البرازيل وألمانيا أو الفيصلي والوحدات وحتى بين أنصار نادي ذات راس وشيحان وأنا اجزم لو أن هنالك مباريات في ( الحجلة أو القلول أو الاستغماية ) لتقاسموا حجارة الساحة .

 
       صور كثيرة من المشاجرات على قضايا تافهة  , والعجيب أن أبناءنا وبناتنا محبطون حائرون ، انعدمت فيهم المواهب المتنوعة ، والانخراط في ميادين العمل الطوعي ، وكثيراً ما اسأل هل باتت مهمة أساتذة  الجامعات مطاردة المناهج دون تقديم ولو جرعات من الأمل لتعزيز الجوانب الايجابية عند طلبتهم ؟وهم يعلمون أن طلبتهم مشغولون بأمور داخل المحاضرة لا علاقة لها بالدرس ولا بقاعة الدرس .

 
     ومن الصور الأخرى التي تساعد على تفشي ظاهرة العنف المجتمعي الإعلام , ولقد رصدت مئات اللقطات العنيفة عن طريق الصورة والمقالة والأغنية والأفراح والأتراح والمسلسلات وأفلام الكرتون . . . يمكن أن نستعرض جانباً مضحكاً مبكياً منها :

 
       انتشار الأغاني التي قزّمت صورة الوطن الواحد والمجتمع المتماسك المتحاب فظهرت موجة أغاني المحافطات فللكرك مقطع ولإربد مقطع وللسلط وعمان وجرش ( ولا أدري فقد يثور أحد أبناء بعض المحافظات التي لم أذكرها ليقول أنت إقليمي ) لماذا ذكرت محافظة كذا ولمتعدد سائر المحافظات  ؟؟! .

 
       حتى إن بعضهم ( يعنقر) حين يقارنون بين ما قيل عن محافظتهم  مع باقي  المحافظات !! وأنني أرى أنها أغان عنيفة يجب أن تتوقف لأنها ساعدت على ترسيخ فكرة تفتيت الكيان الواحد إلى حارات وزواريب ,وإن ولادة مطرب في قرية أردنية صوته كالرحى ولا يميز بين السلم الخشبي والسلم الموسيقي كفيل بالوقوف معه وإجبار الجمهور للتصفيق له !! وهنا أتذكر الزمن الجميل حين كنا نسمع لتوفيق النمري في ( مرحى لمدرعاتنا ) و ( وينك ياللي تعادينا يا ويلك ويل )فنشعر أنه يخاطب كل فرد فينا إلى أن ماتت هذه المشاعر بعد سماع أغنية ( بقلع عين إلي بطلع فينا ) ما هذه الصورة العنيفة ولماذا محاولة سمل العيون لمجرد نظرة إعجاب !! ومن علمكِ كل هذا العنف يا بنت الرجال ؟! .



     ثم لا يخفى علينا انتشار بعض المسلسلات العنيفة ( باب الحارة أنموذجاً سيئاً ) وحتى أفلام الكرتون فهناك دراسات تشير إلى أن 30% من بين ألف طفل قالوا نريد أن نكون مثل أبطال الأفلام ويحبون قتال الشرطة من خلال الأبطال ومطاردة الشرطة لهم !! وأن الدراسة تشير إلى أن موضوعات هذه الأفلام 3% مادة لمقدمات جنسية40%مواد عنف، مروراً بالمقالات التي تغذي العشائرية والإقليمية وعدم احترام الرأي الآخر ( الاتجاهات المتعاكسة ) أنموذجاً لا من حيث الأفكار بل من حيث استخدام الصراخ والشتم بدلا من الحوار الهادئ المتزن . وانتهاء برؤية الأطفال للمناظر الدموية وبرك الدم في أرضية بعض الملاحم غير المرخصة أو عند مشاهدة الأطفال لذبح الدواجن فيها .



          أما العنف اللفظي   فقد انتشر انتشارا كبيرا يمكن أن يشكل معجما ( يبطح) ! لسان العرب لابن منظور على مستوى الأسرة والمدرسة والشارع وووو .وهو سبب أساسي للعنف المجتمعي .إنه معجم بذيء يتناول الأعراض والحرمات والأخلاق العامة وقتل الشخصية دون براهين ، وينشر الإشاعة بوسائل تكنولوجية قد تنتقل إلى من في كندا قبل أن تفتح شفتيك !!ونحن شعب قادر على ابتكار لغة إشارية عنيفة وقادرة على أن ترفع درجة حرارتك إلى حد الغيظ دون استخدام آلة الكلام . فهل نحن بعد كل هذا مجتمع عنيف ؟!! 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد