لماذا ننتخب ؟ ومن ننتخب ؟

mainThumb

18-10-2010 12:38 AM

تصارع الأهواء ويتجاذب العقل والعاطفة وتتنازع الرغبات والمقاصد في الإجابة على السؤال الأهم الذي هو موضوع حديث اليوم وهو، لماذا الانتخابات ؟ .

إن الانتخابات بواقعها الحالي تجربة غير جديدة على مجتمعنا لذا علينا أن نحسن التعامل معها وفق المنهج الصحيح ومن ثم لا مكان لأن يتخبط المواطن أو أن يتعثر أو أن تتنازعه الشبهات والشهوات في ظل بريق هذه الانتخابات وحملاتها ودعاياتها وجاذبيتها .

ولعل الكثير منا يقول : نحن شاركنا في الانتخابات السابقة ولكن ماذا قدم لنا أولئك الذين تبوؤا مقاعد البرلمان؟ الطموحات والآمال التي عقدناها عليهم لم يتحقق منها شيء , لذلك لانعول عليها كثيرا .

إن الذي رسب في الامتحان هم نحن لأننا لم نحسن الاختيار ولم يُحسَن لنا الاختيار ! فكان هذا الرسوب المروِّع . إذا ماالفائدة من (الزعل )والإحجام عن المشاركة ؟ فالطالب الذي فشل في الامتحان هل صحيح أن يجلس في البيت ولا يحرك ساكنا يندب حظه المتعثر ؟ هل هذا التصور الخاطئ يمكن قبوله ؟ لابد أن يجتهد مرة ومرتين وثلاثة بل وأكثر حتى ينجح في الامتحان المدرسي , ومن ثم ينجح في الحياة ، فالذي( يزعل )على الانتخابات فإنه في حقيقة الأمر (يزعل) على نفسه ومصيره الذي ربطه بإنسان لايستحق منه ذلك .

وثمة نقطة مهمة ينبغي التركيز عليها وهي أن البرلمان السابق فقد مصداقيته , فقد كان ضعيفا هزيلا قدم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة , افتقر إلى الكفاءة في التعامل مع التشريع .، ولولا لطف الله ثم القرار الملكي الجرئ والموفق بحل مجلس النواب -الأسوأ في تاريخ الأردن - الذي دل على رؤية صائبة أنقذت البلاد والعباد من مصير مجهول .

إنه بغض النظر عن الدور الذي سيقوم به المرشح بعد الترشيح وبصرف النظر عن صلاحياته ودوره إلا إن أهمية هذه الانتخابات تكمن في أنها تعبر عن هوية المجتمع فيمن يرشحهم ، تعبر عن شخصية المجتمع فيمن يختارهم لتمثيله ، إنها تترجم عن الوجهة التي يريدها المجتمع, إن هذه الانتخابات لها أكثر من مدلول وأكثر من مؤشر في كشف المجتمع واختياره وإرادته وفيمن يقدمه ويُصدِّره في المقدمة ، ومن ثم جاءت أهمية الاختيار في الترشيح والأسس التي يقوم عليها ترشيح الناخب للمرشح .


وأمر آخر هو أن الترشيح من الناخب للمرشح فيه معنى التزكية له والتفويض له من المجتمع ، وفيه معنى الإنابة عن المجتمع ، فإذا رشحت أحداً فكأنك تنيبه عن المجتمع وتوكله عنه وتشهد له بأنه الأصلح من المرشحين .


هنالك منطلقات وقواعد وثوابت لابد أن يُنطََلق منها في الترشيح لأن ديننا الحنيف لم يجعل الأمر سَبهللاًًًًًًً يرجع إلى الرغبات والأهواء والعواطف ،  فما هي تلك القواعد والمنطلقات ؟ القاعدة الأولى: - أن تتيقن أن اختيارك للمرشح هو أمانة ومسئولية أمام الله ستحاسب عليها ، ثم هي مسئولية أمام المجتمع الذي يقوى بقوة أمانة أفراده ويضعف بضعف أمانة أفراده .


إن مما ينبغي أن تتذكره دائماً أيها الأخ وأيتها الأخت في هذا الوطن الحبيب أن الوِلايات والمناصب وما يلحق بهما هي من الأمانات ، التي قال الله في شأنها { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } . ثم إن صلاحية الانتخاب أمانة فما أنت صانع فيها ؟ ومن تختار ؟ إنني أهمس في إذنك ليقر في فؤادك أن تتذكر هذه الأحاديث النبوية التي تقشعر منها الجلود وتهتز منها الأفئدة : - الأول : قوله صلى الله عليه وسلم { من ولى رجلا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين} رواه الحاكم في صحيحه .

الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم { إذا ضُيِّعت الأمانة فأنتظر الساعة ، قيل يارسول الله : وما إضاعتها ؟ قال إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة } قال شيخ الإسلام : { أجمع المسلمون على معنى هذا } أي على أن إسداء الأمر إلى غير أهله من تضييع الأمانة وهو مؤشر على قرب الساعة .

أخي الحبيب أختي، هل بعد هذه الأحاديث وأمثالها يجوز لك أن تنتخب شخصاً لمجرد القرابة أو الأعطية أو الهدية أو المجاملة أو لمجرد الانتماء القبلي أو الانتماء المكاني أو لمجرد الانتماء الحزبي ؟ كلا والله فإن فعلت فأنت خائن .

قال الفاروق عمر – رضي الله عنه- :{ من وَلي من أمر المسلمين شيئاً فولَّى رجلاً لِمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين } ، فيجب عليك إذا أن تربأ بنفسك عن الخيانة لأي سبب من الأسباب وأن تبحث عن المستحق الأصلح وأن تقدر الأمانة,قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -:{ فإن عَدَل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء أو عتاقة أو صداقة أو مرافقة في بلد أو مذهب أو لِرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب أو لضَغَن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى : { يا أيها الذين امنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} القاعدة الثانية فيمن ننتخب : - هو أن ننتخب الكُفْء الأمين .


ونتوقف قليلاً عند هذين الشرطين وهما كما ذكر العلماء ركنا الولاية وهما القوة والأمانة،  الشرط الأول : الأمانة أي أن يكون المرشح الذي تنتخبه أميناً في نفسه وفي تمسكه بالإسلام ، أميناً في تصرفاته وأقواله وأعماله وما استُحفظ عليه ، أميناً في الأمر الموكل إليه { إن خير من استأجرت القوى الأمين }.. فالأمانة هي الصفة الكبرى التي يجب أن يُفاضل بين المرشحين على أساسها ولكن من هو صاحب الأمانة ؟ هل المرشح الذي يدوس على ثوابت المجتمع وأعرافه هل هو صاحب أمانة ؟! هل المرشح المستهتر الذي يبحث عن الشهرة والقالة هل هو صاحب أمانة ؟! هل المرشح الذي يأكل أموال العباد والبلاد بالباطل هل هو صاحب أمانة؟! استمعوا إلى كلام في غاية التعقل والبصيرة ذكره أمام الحرمين الجويني- رحمه الله- يقول:{ من لا يُوثَََق به في باقة بقلٍ كيف يُرى أهلاً للحل والعقد ؟ ومن لم يتق الله لم تَُؤمَن غوائله ، ومن لم يصن نفسه لم تنفعه فضائله } فتأمل أخي و أختي هذا فيمن سترشح ،هل المرشح صاحب الهوى والانحرافات والشبهات صاحب الأجندات الخارجية المشبوهة هل يصلح لأن يكون أمينا يختاره المجتمع ؟ كلا والله.


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : { يجب أن يُعرَف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها وهي من أفضل القربات } إذا هي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملْنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ، فإياك أخي وأختي أن تُصادر أمانتك أو أن تبيعها لأي مسوغ بأن ترشح غير الأمين فإن فعلت فأنك خائن لله ولرسوله وللمؤمنين.


 الشرط الثاني في اختيار مرشح ، هو الكفاءة وهي القوة ، أي أن يكون المرشح عالماً بما رشِّح لأجله بأن يكون ذا علم وبصيرة بالأمور وتدبيرها هناك حقان مهمان لابد من أدائهما في هذه الانتخابات، الحق الأول : يتعلق بحق المجتمع على المرشح . الحق الثاني: يتعلق بحق المرشح على المجتمع. أما الحق الأول : فهو حق المجتمع على المرشح أن يراقب الله سبحانه وتعالى في حملته الانتخابية من الانحراف والإسراف والمبالغات ، ذلك أن بعض المرشحين يكفر بالنعمة , بالإسراف والتبذير والمظاهر المقزز .

ومن جهة ثانية فإن بعض المرشحين يحاول أن يخدع المجتمع ويدغدغ عواطفه بوعود ومبالغات خيالية ، ولعلكم أدركتم واطلعتم على بعض هذه الوعود التي هي من قبيل الوعد الكاذب لأنها وعود خيالية لا يستطيع المرشح تحقيقها عُرفاً وعادة ، بل بعضهم يأتي بوعود ليست من صلاحيات المجلس النيابي ولذا فهي مُخادَعة وكذب ووعد لا يمكن تحقيقه ، وهذا لا يليق أن يصدر من مرشح في مجتمع مسلم كالمجتمع الأردني الواعي، وهذا من الانحراف في الحملات الانتخابية وهو أمر يؤثر على أخلاقيات وثوابت المجتمع والذي يجب على الجميع المحافظة عليه وعدم التغرير به وبأفراده .


إنَّ اختصاصات المجالس النيابية واضحة لا تحتمل وعوداً خيالية وبرامج فردوسية أو مشروعات ليست من اختصاصها وإنَّ الاستغراق بمثاليات ووعود بعيدة عن نظام هذه المجالس يضر المرشح نفسُه أكثر مما ينفعه لأن المواطن سوف يدرك عدم صحة ما وعد به ، ومن جانب آخر فهذا قد يدخل في مسألة التضليل غير المقبول والذي لانرضاه لهؤلاء المرشحين أو منهم ، بل قد يصل إلى المخالفة الشرعية لأنَّ المرشح لن يستطيع الوفاء بعهوده وقد كان العهد عند الله مسئولا .


أما الأمر الآخر الأوفر إزعاجا وإيلاما في هذه الانتخابات وما سبقها فهو ما سمعناه وما قرأناه حول شراء الأصوات وبيع الذمم وهذا مؤلم جدا ترى كيف يرضى مرشح يأتي للمجلس من خلال طرق غير مشروعة ، إن هذا المرشح الذي قبل وارتضى هذا الأسلوب الخادع المنافي للأمانة سيقبل بخداع من يُرشِّح وقد يبيع ذمته وهو يمارس عمله , إن هذا خيانة للأمانة التي وعد الله بأدائها ورتب شديد العقاب على من لا يؤديها كما حملها وإنني أربأ بالناخبين أو المرشحين أن ينزلقوا في هذا الشأن الخطير.


وأمر آخر يتعلق بالمرشح أن عليه أن يتقي الله في أن لا يجمع الناس حوله بالعطايا والهدايا أو أن يشتري الذمم والأصوات بأي أسلوب فهذا محرم شرعاً وعُرفا لأنه من الخيانة.

وأمر ثالث يتعلق بالمرشح وهو أن يتقي الله في أن لا يحرش بين الناس أثناء الحملات الانتخابية أو أن يطعن أو أن يُلقي التهم أو يُهِّيج أسباب الفرقة بين أفراد المجتمع إما بالضغط على أفراده للتصويت له أو بإحياء القبليات والنعرات القبلية الجاهلية البغيضة ، أو من خلال الضغط على عشيرته أو على من ينتمي معه في الانتماء المكاني أو الحزبي فهو أمر يخالف المنهج الشرعي ومن فعل ذلك من المرشحين فهو على خطر في دينه ومروءته وسينكشف أمره حاضراً أو مستقبلا ، فليتقِِ الله وإياه أن يَبذر ما يفرق به بين أبناء الوطن الواحد أو أن يُكدِّر نفوسهم فإن المسألة لا تتحمل تلك الخصومات.


وأما الحق الثاني ،  وهو حق المرشَّح على المجتمع فهو أن المجتمع عليه أن يتعامل مع هذه الحملات الانتخابية بأخلاقيات المجتمع المتحضر وبأدب المجتمع ا لمتحضر ومن ذلك أنها إذا ظهرت نتائج الترشيح فلا ينبغي أن يَحصل التحقير أو الاستهزاء أو التنقيص أو التشهير أو التطاول أو الشغب والتخريب بل يجب الإعراض عن ذلك كله والكف عنه حفاظا على الوطن ومقدراته .

إن هذه الانتخابات يعتريها ما يعتري غيرها من أخطاء البشر أو اجتهاداتهم أو قوة الدعم ، ومن ثم فيجب الكف وعدم الخوض في دائرة التنقيص والتشهير والاستهتار بمقدرات الوطن والمواطن والعبث بأمنه واستقراره ، بل ينبغي أن تتسع صدورُنا وعقولنا لاستيعاب ذلك وهذه من أدبيات المجتمع المتحضر ، وأختم بهذه المقولة الرائعة التي استوقفتني كثيراً وحُقَّ لها أن يتأملها المتأمل يقول الإمام الجو يني – رحمه الله-:{ في كل عقل مَزيِّة ولكن اختلاف الآراء مُفسدَة لإمضاءِ الأمورِ.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد