تفريخ الوزارات

mainThumb

28-11-2010 04:00 PM


دعونا نعترف أنَّ الأردن حالة إبداعية متميزة في ابتكار الوزارات، واختراع وزارات جديدة، ناهيك عن العدد الكبير للوزارات التي تزيد عن عدد الوزارات في معظم دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة، والصين ودول أوروبا قاطبة. ولعل هذا يعطينا نوعاً من التوزان، فهذه الدول تفوقت علينا في الصناعة والعلوم والتجارة والطب وغيرها، ولكننا لم نقف مكتوفي الأيدي، فقد تفوقنا عليها بعدد الوزارات، واختراع الوزارات. وإذا كانت تلك الدول تتفوق علينا أيضاً بالعلماء والمخترعين والمفكرين وبعدد حملة نوبل والجوائز العالمية الأخرى، فإننا نتفوق عليها بعدد حملة لقب معالي!



وفي حُمَّى شكوى الحكومة من المديونية الكبيرة وعجز الميزانية وضرورة شد الأحزمة، والتلويح بإجراءات اقتصادية قيصرية لا بد منها، تتشكل الحكومة الجديدة من 31 وزيراً، في حين كانت الوزارة السابقة مكونة من 29 وزيراً. وهذه الزيادة غير مفهومة إلا من باب الترضية والتنفيع ومنح الألقاب المجانية.



إنَّ كل وزارة تتطلب موظفين وأمين عام ومديرين ورؤساء أقسام وتجهيزات ومبانٍ جديدة، وكل ذلك على حساب الميزانية التي تعاني عجزاً مزمناً، وكان الأولى بأن تُختصر الوزارات إلى الحد الأدنى تخفيضاً للنفقات. وقبل أن تطالب الحكومة المواطنين بشد الأحزمة على البطون التي ذابت، فإنَّ عليها أن تضبط هي نفقاتها وتقلل وزاراتها، وتدمج الوزارات وخاصة المتقاربة والتي تتداخل مهامها وصلاحياتها كثيراً، لا أن تزيد عدد الوزارات وبالتالي النفقات على حساب جيوب المواطنين وفرض الضرائب الجديدة، وتحميلهم عبء المديونية وعجز الميزانية، وضرورة أن يتعافى الاقتصاد على حساب دماء المواطنين وقوت أسرهم وحليب أطفالهم ودواء مرضاهم، فلا تلجأ الحكومات إلى الحلول المؤلمة إلا بعد أن تبذل كل طاقاتها وقدراتها وجهودها بعيداً عن المواطنين، وإلا فآخر الدواء الكي. ولكن حكوماتنا الرشيدة على مدى عقدين أو يزيد تلجأ إلى الكي أولاً وأخيراً، فلا تعرف غير الكي علاجاً. أما الحلول والإجراءات الأخرى فلا تعرف إليها سبيلاً!



أتساءل وببراءة، ما وظيفة وزارة المشاريع الكبرى؟ وما مجال عملها؟ وما الدور المنوط بوزارة تطوير القطاع العام؟ وماذا أنتجت حتى الآن؟ لا نريد تنظيراً أو خططاً مستقبلية ورقية أو مشاريع وهمية، بل نريد عملاً ملموساً، وإنتاجاً مشاهداً، وتراكمات مادية نراها رأي العين!


أما وزراء الدولة فهم لغز بحد ذاتهم، وبودي أن أعرف وظيفتهم بالتحديد، وما معنى وزير دولة؟ ومن المثير أنَّ اثنين منهم لشؤون رئاسة الوزراء، في ازدواجية غير مبررة وغير مفهومة إطلاقاً.


وهناك عدد من الوزارات لا ضرورة لوجودها مثل وزارة الشؤون البرلمانية، والتنمية السياسية، ويمكن لقسم يتبع لرئاسة الوزارء أن يقوم مقامهما بكل كفاءة.


ثم من غير المفهوم وجود وزير لشؤون الإعلام ووزير آخر ناطق إعلامي!


إنَّ الأردن كبلد مرهق اقتصادياً، ومحدود جغرافيا وسكانياً، يفترض أن تكون المناصب العليا فيه بقدر محدود جداً، وبالحد الأدنى اللازم لإدارة الدولة، وخاصة في عدد الوزارات وعدد النواب وعدد الأعيان والمستشارين وغير ذلك من المناصب العليا، فلو قلصنا كل هذه المناصب إلى النصف لن يؤثر ذلك على مسيرة الأردن شيئاً، بل ستؤدي إلى عمل أنشط، وإنتاج أفضل، لأنَّ الكثرة ثقل وعبء وقيود تعيق التقدم والإنجاز.


والكرة الآن في ملعب مجلس النواب السادس عشر، أن يكون له موقف حاسم وحازم من هذا العدد الضخم من الوزارات، وأن يطالب بالتخفيض والدمج وأن يربط منح الثقة بذلك، وإن أهمل المجلس ذلك فلا يستغرب أحد أن تتشكل حكومة قادمة بوزارات مخترعة جديدة، أو تقسيم الوزارات الحالية، فقد نجد وزارة للتربية ووزارة أخرى للتعليم، ووزارة للتعليم العالي، وأخرى للبحث العلمي، ووزارة للطاقة وأخرى للثروة المعدنية، ووزارة للأوقاف، وأخرى للشؤون الإسلامية، ووزارة للصناعة وأخرى للتجارة، ووزارة للمياه وأخرى للري، ووزارة للتخطيط وأخرى للتعاون الدولي، ووزارة للأشغال العامة وأخرى للإسكان، ووزارة للسياحة وأخرى للآثار. هذا ناهيك عن وزارات جديدة مثل: وزارة للترفيه، ووزارة للشباب، ووزارة للتعليم الخاص، ووزارة لشؤون العاصمة، ووزارة للتجارة الخارجية، ووزارة للصخر الزيتي، ووزارة للفوسفات، ووزارة لشؤون الموانئ البحرية والجوية، ووزارة لاستصلاح الصحراء، ووزارة للتنقيب، ووزارة للمراعي، ... الخ.


المطلوب قوننة الوزارات ومسمياتها، وأن لا تنشأ أي وزارة إلا بقانون دائم يبرر وجودها ويحدد مهامها ووظائفها وصلاحياتها، وبغير ذلك ستبقى الوزارات لعبة في يد رئيس الحكومة، يزيد وينقص، يفصل ويدمج، يخترع ويبتكر، وسيبقى الوطن هو الضحية، والمواطنين كبش الفداء!

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد