رسائل من الهجرة النبوية

mainThumb

06-12-2010 08:50 PM

نعيش هذه الأيام في ظلال رأس السنة الهجرية، ولا شك أن السيرة النبوية مليئة بالدروس والعبر، في العقيدة، وفي المشاعر، وفي السلوك، قال تعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وإنه ليحضرني في هذه المناسبة العظيمة أفكار ودلالات كثيرة أحببت أن أصوغها على شكل رسائل قصيرة:



 1. الاحتفال بالهجرة ليس بدعة ولا ضلالة، وإنما هو تنفيذ لأمر الله تعالى حيث قال {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه} ولعل الهجرة أعظم أيام الله على الإطلاق، ولذلك اختاروها للتأريخ بها دون غيرها من وقائع السيرة.


 2. الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، ولما لم يستطع المسلمون تحقيق ذلك في مكة كانت الهجرة، ووضع الدستور من خلال (الوثيقة) وبها قام المجتمع الإسلامي، وتحققت الدولة الإسلامية، التي طبقت التشريعات الإسلامية، ودافعت عن المسلمين، ونشرت الإسلام، وحققت لهم السعادة والعزة. ولما جاء الاستعمار ألغى الشريعة ومزق الدولة الإسلامية. فهل نفهم الإسلام دينا شاملا لكل مجالات الحياة؟ وهل نعيشه بعقولنا وقلوبنا وجوارحنا؟


 3. لا يجوز للمسلم أن يكون سلبيا تُجاه قضايا دينه وأمته، بل يجب عليه أن يكون إيجابيا، فقد مدح الله تعالى العاملين، وذم المتخاذلين، فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}. فهل نحن إيجابيون تُجاه قضايا ديننا وأمتنا؟


4. التخطيط لا الارتجال، فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الهدف، ثم وضع له خطة مفصلة لإنجاح الهجرة، فاختار الزمان، واختار المكان، والأشخاص ودور كل منهم إلخ. فهل نضع أهدافنا بعناية، وهل نخطط لها بطريقة سليمة على كافة المستويات.


 5. الأخلاق والقيم، فقد أبقى النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه لرد الأمانات لمشركي قريش، وهم الذين يحاولون قتله. فمتى نصبح المثل الأخلاقي الأعلى على مستوى العالم؟


 6. {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} نعم من كان مع الله كان الله معه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} وفي الحديث (تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة). فمتى تكون أمتنا مع الله ليكون الله معنا؟


 7. لا نجاح دون تضحيات، وكلما عظم الهدف عظمت التضحيات {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} وعلى رأس المقدمين للتضحيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر، وعلي، وابن عمر، وصهيب، وأبو سلمة. فهل نحن مستعدون لتقديم التضحيات من أوقاتنا وجهودنا وأموالنا بل وأنفسنا للفوز بالجنة؟


 8. الأفعال أهم من الأقوال، والدعوة العملية إلى الإسلام أعظم أثرا من الدعوة باللسان، فكان يكفي غير المسلم أن يزور المدينة المنورة فيرى فيها الإسلام مطبقا ليدخل في الإسلام، ولذلك بعد الهجرة دخل الناس في دين الله أفواجا. فهل قدمنا للعالم في ظل أزماته نموذجا إسلاميا معاصرا يحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها؟


 9. الوطنية دون إقليمية، فقد هاجر المسلون من مكة وهي أحب بقاع الأرض إليهم، ولكنهم ما كانوا يوما إقليميين، بل آخى الإسلام بينهم وبين الأنصار في المدينة، والمقياس هو التقوى، وليس مكان الولادة {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. فهل تسامينا في أعماقنا وفي مجالسنا الخاصة فوق الإقليميات الضيقة؟ وهل جعلنا التقوى بمعناه الشامل مقياسا لنا؟.


10. دعوها فإنها منتنة، لقد لعب اليهود طويلا على حبل القبلية والعشائرية الضيقة بين الأوس والخزرج، وقامت معارك متعددة، وسالت دماء، فلما كانت الهجرة انتهت العصبية القبلية، وبقي الانتماء الإيجابي للعشيرة، في صورة صلة الرحم، والتكافل، والتعاون على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، وارتقى المسلمون إلى أفق أعلى، إلى أفق الانتماء إلى الدين، وشغلتهم قضايا الإسلام والدعوة والأمة. فهلا تركنا التعصب العشائري السلبي المنتن الذي يعكر أحيانا حتى الجامعات؟ وهلا ارتقينا إلى مستوى ديننا؟ وهلا شغلتنا قضايا أمتنا عن سفاسف الأمور؟


11. ربط المؤسسات التربوية بالدين، وقد كان ذلك من خلال المسجد الذي بادر النبي صلى الله عليه والمسلمون إلى بنائه بعد الهجرة مباشرة، فهو أول مؤسسة تربوية إسلامية تخرجت فيها أجيال لم يعرف لها التاريخ مثيلا. فهل ربينا أجيالنا على الدين وقيمه ومفاهيمة؟ ومتى نعيد للمساجد دورها الحقيقي؟


12. من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، هاجروا من أوطانهم ليحافظوا على دينهم، فحفظ الله لهم دينهم وردهم إلى أوطانهم فاتحين أعزة. فهل اعتبرنا؟ ومتى نقدم أمر الله على كل أمر، ورضوان الله على كل رضوان؟


 13. ما أجمل الوفاء، فتحت مكة، وظن الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم سينساهم وسيعود إلى الأهل والعشيرة في مكة، ولكنه لم ينس من نصروه بالمال والنفس، فقال لهم (قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ ... هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ). فهلا تعلمنا الوفاء من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ومن صحابته رضوان الله عليهم؟.


 14. التميز وعدم التقليد، حتى في التأريخ، فاختاروا الهجرة للتأريخ بها، ولم يأخذوا بتواريخ الأمم الأخرى، فالأمة المقلدة تبقى ذنبا لغيرها، ولذلك نهى الإسلام عن التشبه بغير المسلمين، ولقد أخذ المسلمون الأوائل من اليونان العلوم ولم يأخذوا الثقافة، وهكذا تعامل الغربيون مع حضارتنا. فمتى نتحرر من التقليد في العقائد، والقوانين، والعادات، واللباس، واللغة.


 15. هاجر إلى الحق، وأهل الحق، فقد مضت الهجرة لأصحابها، وانتهت الهجرة من مكة إلى المدينة بفتح مكة (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية) فلم يبق إلا الهجرة إلى الحق وأهل الحق (فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه). فهل نصرنا الحق وأهل الحق، ولم نخف في الله لومة لائم؟.


 16. (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم) انتهت سنة وبدأت سنة، ونجد التجار يعملون جرد حساب سنوي، والطالب في كل فصل يراقب أداءه، هل ارتفع معدله التراكمي أم لا؟. فهل نحاسب أنفسنا كل يوم، أو كل أسبوع، أو كل شهر، أو كل سنة على الأقل؟ والحمد لله رب العالمين


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد