تجفيف منابع إرهاب التوجيهي

mainThumb

18-12-2010 07:20 PM

لا يخفى على احد ما بات يشكله امتحان الثانوية العامة من قلق وخوف لدى الأسرة الأردنية ،حتى أصبحنا نشاهد ونسمع الندوات والنداءات لإلغائه وآخرها شعار احد الأحزاب الأردنية في الانتخابات النيابية الماضية (لكسب الشعبية )، ومع أنني ضد الإلغاء لأسباب تتعلق بعدم توفر بديل مقنع ولما رأيته وخبرته من تدني مستوى خريجي المرحلة الثانوية في دولة قامت بإلغاء الامتحان والاكتفاء بعلامة المدرسة .



    وبرائيي المتحصل من تجربة في وزارة التربية والتعليم سواء في المراقبة أو التصحيح، ومما سمعته من زملائي ممن لهم دور مباشر في الامتحان في كافة مراحله؛  فأنني أرى أن هنالك منابع للإرهاب الذي تعانيه كل أسرة قدر أن يكون لها ابن أو ابنة طالب ثانوية عامة، فيصبح البيت طوال السنة في حالة طوارئ ،وترصد الميزانيات المختلفة ، على الرغم من مساهمة كل ذلك في رفع درجة الخوف والقلق لديه إلا أني أجد عذرا لذلك؛ فالمصير يتحدد من خلال هذا الامتحان خاصة في ظل تدني نسب النجاح وارتفاع معدلات القبول في الجامعات الحكومية، وللعثرات التي تسقط فيها سنويا وزارتنا الحبيبة بحيث أصبحت تلازم الامتحان سنويا وكأنها مقدر ومكتوب!!!.



إلا أن العنصر الأكبر يعود في ذلك إلى الوزارة وإجراءات سير الامتحان التي تتبعها مما حداني بتسميتها منابع إرهاب التوجيهي والمتمثلة فيما يلي:


       أولا: نوعيه الأسئلة والإجابة النموذجية المطلوبة والمهارات التي تقيسها مما يشجع على الحفظ والاستذكار والاعتماد على التلقين .


            ثانيا : ما يتعلق بأسلوب إدارة الامتحان؛ حيث يكون اليوم الأول مشحونا بالخوف والرهاب ؛فيجمع الطلبة في الساحة وتتلى عليهم التعليمات صباحا والعقوبات التي  تنتظرهم بإسلوب مشدد سمته التهديد والوعيد ، ليس هذا فحسب بل المصيبة أن الطالب يرى وجوها غير الوجوه التي تعود عليها سنة كاملة ؛فيرى وجوه مكفهرة عابسة مترقبة تنظر بعين الشك والريبة والتربص، إضافة إلى استفتاحه برجال الشرطة على البوابات فأي نفسية وأي شعور سيتولد لديه؟! ،ولكم أن تتصوروا درجة الخوف الذي ينتابنا نحن الكبار عندما ندخل قاعة اختبار بسيط فكيف بالطلبة في هذا العمر !!!!.ثم يدخلونهم إلى القاعات والتي تكون جافة في كل شي ابتداء من المقعد إلى المراقب وهيئته والبيئة الفيزيقية ككل.وقد رأيت بعيني حالات الخوف والهلع الشديد التي تنتاب الطلبة مع بداية الاختبار في اليوم الأول.


          فلما لا تعطى تعليمات الاختبار أثناء الامتحان التجريبي في المدرسة وبطريقة حضارية بحيث يسمعها من معلميه ويوقع عليها ،( ان كان الأمر ضرورة قانونية) ولما لا يكون المعلمين أنفسهم أو اغلبهم مراقبين على طلبتهم (هل هي ازمة ثقة؟!) ،ولما لا تقدم وردة للطالب في يومه الأول مع ابتسامه تشعره بالود والطمأنينة وإذا كانت الوردة مكلفة على الوزارة ؛فلتكن بطاقة بسيطة تحمل عبارات التشجيع والترحيب والثناء فتشرح القلب وتفتح الذهن والوجدان ولننظر إلى تجارب الدول المرموقة ولسوف نلمس الفرق .


         ثالثا :فيما يتعلق بإعلان النتيجة، وهنا أيضا يشحن الجو كثيرا فنجد وسائل الإعلام المختلفة تركز على هذا الموضوع؛ وتعطيه أهمية كبيرة فالكل في انتظار المؤتمر الصحفي ؛وكأنه حالة إعلان حرب!! ويتأخر الإفراج عن النتيجة لتواكب موعد المؤتمر!!! عدا عن طريقة وصول النتيجة للطالب والأهل الذين يبيتون ليلتهم أيقاضا وأيديهم على قلوبهم؛ مبتهلين إلى الله النجاح وعدم الفشيلة أمام الآخرين!! وأفئدتهم وعيونهم ترقب وتنتظر،ويتوزعون المناوبة بين بوابات المدارس ومقاهي النت فينتظرون إلى العاشرة صباحا أو الثانية عشرة ومن ثم يتم الإفراج عن النتائج فتبيض وجوه وتسود وجوه !!!!!!!!!!!!.


      والحل بسيط فيكمن في إتباع وسائل التكنولوجيا مثل الرسائل القصيرة والايميل ،لإيصال النتائج للطالب مبكرا وعدم ربطها بالمؤتمر الصحفي لمعالي الوزير فيجنبون الطلبة وذويهم نار الانتظار ولهيب طول زمنه.


      رابعا :هناك العديد من النقاط تتعلق بشكل وورقة الاختبار ودفتر الإجابة، حيث أن الورقة جافة فلا ألوان فيها ومستقلة عن دفتر الإجابة إضافة الى الحرص المبالغ فيه على تدوين معلومات الطالب على الدفتر، ولم تتطور هذه الطريقة منذ قدمت الامتحان عام 1987 ؟!!!!، فلما لا يتم تصميم ورقة الأسئلة ودفتر الإجابة ضمن كتيب بطريقة عصرية تبعث الراحة والطمأنينة في النفس، وتضمين عبارات ودودة للممتحن تشجعه وتقلل من خوفه ،ولنطلع على تجارب الدول المرموقة أيضا في هذا المجال ،كذلك فإن نوعية الأسئلة وأسلوب التصحيح والشفافية بين الطالب والأهل، من جهة والوزارة من جهة أخرى ومنها حق الطالب في الاطلاع على ورقة إجابته بعد التصحيح وحقه في المراجعة إن شك فيها، وبعد قاعات الامتحان عن السكن وجدول الامتحان.



  اعتذر على الإطالة وكلي أمل أن تلقى هذه الملاحظات وتصل إلى معالي وزير التربية والتعليم، وفيه الأمل الكبير؛ لما يتمتع من شخصية متفتحة وإنسانية مرهفة، وعطوفة الأمين العام للشؤون الفنية ،والذي تشرفت بالعمل تحت مظلته يوما، وأذكر انه عانى شخصيا من الإرهاب الذي ذكرت، وأقولها شهادة حق بأنه رجل راجح العقل نير الفكر حداثي التوجه والهوى، يتمتع بصفات قيادية وإنسانية فضلى  والله الموفق


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد