عقوق الأبناء ومسؤولية الآباء

mainThumb

20-12-2010 08:08 PM

هناك الكثير من القصص التي أتعامل معها معظمها من الآباء والأمهات يشكون عقوق أبنائهم المراهقين تتحدث احد الأمهات وتقول أنني مصدومة في ابني الوحيد وسندي في الدنيا.. مصدومة في أفعاله وعقوقه بعد إن كان الابن البار بأمه.. كل يوم يمر بي ولا يسأل عني، يزداد ألمي وجراحي. همه أصدقائه يدخل ويخرج من البيت دون حسيب أو رقيب وانأ أخر اهتماماته فانا والدته التي تخلت عن الدنيا والزواج والسعادة من اجله وشقيقاته، لكن عشقه وحبه واهتمامه كله أصبح خارج البيت ، لم يعد يشعرني بأنه سندي والظهر الذي احتمي به من الزمن، بات سبب ألمي وحزني وحسرتي. ماذا افعل؟ هل اشكوه إلى الناس ؟ ماذا افعل كي اجعله يفيق عقوقه؟



 انتهت القصة الأولى: وتقول أم ثانية وهي غاضبة على ابنتها المراهقة .. تتحدث بحزن شديد كيف أن ابنتها التي حملتها تسعة أشهر وكانت جزءا من جسدها وأطعمتها من زادها، وأمددتها بنسغ الحياة من روحي، وحضنتها سنين عددا، فهي امتداد لجسدي وروحي .. أصبحت تتمرد على أوامري، وتضرب عرض الحائط بكل توجيهاتي.. ، وردها دوما هو: أنا حرة وليس لأحد علي سلطان! حديث الأمهات مؤلم موجع، دافعهم الى الحديث نبيل ولا احد يشك في نبل ورقي هذه الدوافع وسلامتها وأهمية وجودها عند أي أم؛ لتؤدي دورها في التربية والرعاية والاهتمام ؟



وما معنى الأمومة إن لم تكن هذه المعاني حاضرة فيها؟ وأمام هذه القصص المؤلمة وغيرها من مئات القصص نستشعر أن هناك مشكلات تتعلق بالعلاقة ما بين الآباء والأبناء وكل ذلك يعود إلى أساليب التربية التي يتبعها الآباء مع الأبناء لهذا أجد من ملاحظتي للأنماط التربوية أن من الآباء من ينحاز للأصل الأول، فتغلبه النظرة للأبناء باعتبارهم امتدادا له، ويستحضر بصفة مستمرة، وربما ضارة، أنه فعل لهم وفعل، وكأنه يمن عليهم بما عمل، مع أن الحنان والرعاية فطرة إلهية حتى لدى الحيوان، وربما عير أب ابنه وذكره بأنه نطفة منه، وهو قد بلغ الستين أو قارب!



ونتيجة لهذا يتجاهل بعض الآباء حاجات الابن في تلك السن المبكرة، وميله لمن هم في مثل سنه ومستواه، يشاركونه الحديث واللغة والاهتمام والدراسة والميل والعادة. ويتجاهل آخرون متغيرات الزمن وطوارئه بين ما كانوا عليه أيام الشباب وما عليه أبناؤهم الآن، ويريدون منهم أن يأكلوا ويشربوا ويلبسوا أو يتصرفوا كما كان آباؤهم يفعلون حين كانوا في مثل سنهم. ولذا كان علي ــ رضي الله عنه ــ يقول: «لا تكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم». لم يدرك كثير من الاباء ان ثمة متغيرات في شتى النواحي بين الأجيال يجب اعتبارها، لئلا تكون التربية قسرا وإكراها يقتل شخصية أبنائنا ويفقدهم الثقة بأنفسهم..



إن مصادرة شخصية الولد من شأنها أن تصنع عنده عقوقا لأنه يريد أن يحقق ذاته ولو غضب والداه، أو تصنع عنده ضياعا وضعفا في الشخصية لأنه قرر أن يستسلم لإرادة والديه مع عدم رضاه داخليا، مما يجعله مشتتا مرتبكا، وهنا تنشأ وتكبر العقد النفسية وحالات الاكتئاب والقلق، ثم النفاق والتصنع والازدواجية. ومن المربين من ينحاز للأصل الثاني فيمنح الأولاد حرية مطلقة من أول الأمر ولا يسمعهم كلمة «لا» ولا يشعرهم بأنهم جزء من منظومة «الأسرة» يستوجب عليهم الانتماء لها، أن يشاركوها برامجها والتزاماتها ومواعيدها وقيمها الأخلاقية العليا، وأن يتدربوا على احترام رموزها ورجالاتها، ومنهم الأبوان خاصة، ولذا قرن الله حق الأبوين بحقه فقال سبحانه: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (الإسراء: من الآية23



 إن الأولاد يعيشون مرحلة خطرة تتحكم في بقية أعمارهم وحياتهم، وإذا غاب عنهم الإرشاد والتوجيه والتحذير، وبمعنى أعم «التربية» فسيكون من العسير عليهم أن ينجحوا في مضمار الحياة وأن يكونوا فاعلين مؤثرين. لذلك يجب علينا أعطاء الأبناء مفاتيح المسؤولية فلا نصادر شخصياتهم، وان نمنحهم حق التدريب والعمل والمحاولة والخطأ أمام أعيننا أوفي أيها الآباء أعطوا لأبنائكم مفاتيح البناء بالاعتماد على النفس والثقة بها، والصدق والإخلاص،



فلا شيء يربي على الكذب والمراوغة مثل التربية القاسية. أعطوهم مفاتيح الحياة والنجاح بالتوجيه الهادئ، والجلسات العاطفية، والعلاقات السمحة، والصبر الطويل، والكلمات الحكيمة التي تظل تجلجل في أسماعهم ما داموا على قيد الحياة يذكرونها ويذكرونكم معها بالخير ويسلمونها لمن بعدهم.



لا تظنوا أن الغضب الدائم والعتب المستمر والهجر الطويل هو الحل .. فما قيمة أن يعملوا لكم أشياء وهم يكرهونها في قرارة نفوسهم، أو يتركوا لكم أشياء ونفوسهم تتحرق شوقا إليها..؟! واختم بقاعدة تربوية تقول :(( لا يأتي الأبناء من أرحام أمهاتهم منحرفين عاقين ولكنهم أبناء للآباء وأمهات غير أكفاء عجزوا أن يمنحوهم الحب والحنان والثقة من اجل أن يكونوا أبناء صالحين)). 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد