كلمة وفاء للشيخ الراحل نوح القضاة

كلمة وفاء للشيخ الراحل نوح القضاة

21-12-2010 02:37 PM

كثيرون سيكتبون عن الشيخ الراحل الحكيم الورع العالم الفقيه الجليل التقي النقي الطيب الشهم الأصيل ـ ولا نزكي على الله أحدا ـ وسيكتبون عن صفاته وعلمه وفقهه وحكمته وورعه ومآثره وإخلاصه وتفانيه في خدمة دينه ووطنه وأمّته ولكنني سأكتب عن مواقف واقعيّة رأيتها وسمعتها وعايشتها بنفسي خلال شرف الخدمة العسكرية وشرف معرفة الشيخ الجليل من خلال عمله مفتيا للقوات المسلحة الأردنية.


تعود بي الذاكرة إلى عام 1983 يوم التقيت الشيخ الكريم لأوّل مرة وطلبت منه أن يساعدني في الانتقال من معهد اللغات إلى مديرية الإفتاء وابتسم رحمه الله ابتسامته الوقورة وانسابت الحكمة من ينابيعها الصافية حين قال لي: لا تترك موقعك ولا تغيّر تخصصك وسيكون الخير كل الخير في ذلك وتستطيع أن تخدم دينك من خلال رسالتك في تدريس اللغة الإنجليزية ... وأحمد الله تعالى أنني استمعت إلى تلك النصيحة التي تكشف عن حكمة الشيخ الجليل وبعد نظره وفراسته وقد أدركت ذلك يوما بعد يوم وسنة بعد سنة ... أدركت ذلك يوم تم إيفادي إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1984 لمزيد من التأهيل في اللغة الإنجليزية ويوم كنت أتحاور بالحكمة والموعظة الحسنة مع الأصدقاء هناك وأحدّثهم بصورة حضارية عن رسالة الإسلام وعن رحمة الإسلام وعن خصائص ومميزات الإسلام دين الحب والحق والعدل والسلام فأكرمني الله سبحانه بأن عاد إلى الإسلام العشرات من الأمريكان برحمة الله وكرمه وفضله وأسأل الله أن يكون اسلامهم في صحيفة حسنات الشيخ الجليل رحمه الله الذي علّمني الوسطية والإعتدال فلا إفراط ولا تفريط وقد كتبت كتابا عن التجربة باللغتين : العربية والإنجليزية عنوانه ( البديل الوحيد – نور لا ينطفيء).

 

وفي الفترة بين عامي 93 -94 عملت مترجما مع قوات حفظ السلام في يوغوسلافيا السابقة  وفي أوقات الفراغ كنت أجمع وأكتب مقالات الشيخ الجليل التي كان يكتبها شهريا في مجلّة (التذكرة ) التي تصدر عن مديرية الإفتاء في القوات المسلحة وكان هدفي نشر ما استطعت جمعه من مقالات الشيخ الرائعة في كتاب يوزّع على نطاق واسع ليستفيد منها الناس في كل مكان ... وبعد سنة من العمل والنسخ والجمع تشرّفت بزيارة شيخي الحبيب في منزله المتواضع واستقبلني بحفاوة كبيرة وفرح فرحا كبيرا بفكرتي وأعاد ترتيب المقالات وخرّج الأحاديث وفهرسة الآيات وكتب مقدمة للكتاب الذي صدر عن إحدى دور النشر التي طبعت الكتاب مجانا ووزعته مجانا وحمل الكتاب عنوان ( لم تغب شمسنا بعد) فالشيخ كان دائما من المتفائلين بأن شمس الإسلام لم ولن تغرب لأن الإسلام شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ... غرستها عناية الله ولن تقطع ... وشمعة نور وحق أضاءتها عناية الله لا يمكن أن تنطفيء أبدا ... وشمس علمك وحكمتك وتواضعك وورعك وكل صفاتك الحميدة شيخنا لن تنطفيء أبدا وستبقى متوهجة منيرة في قلوب كل المحبين وهم في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وفي كل الكون.


والموقف الثالث يوم اشتركت مع الشيخ الفاضل الدكتور حمزة الفقير في جمع المسائل الفقهية التي تخص النساء في كتاب ( أسئلة النساء وأجوبة الفقهاء والعلماء) والتي أشرف الشيخ الجليل نوح بنفسه على مراجعتها وتدقيقها ودعم العمل فيها وتمت طباعة الكتاب ووزعت منه آلاف النسخ في العالم ولا أنسى وقار الشيخ وتواضعه وروح الدعابة الجميلة والبسمة اللطيفة على محيّاه حين رآني في ساحة مدير الإفتاء فقال لي مداعبا وملاطفا : ( أهلا بمفتي النساء !)


وفي الختام أود أن أقول أن كثيرا من الخير الذي تحقق في حياتي الفضل فيه لله ثم لنصائح شيخي الجليل الشيخ نوح وحكمته ورعايته وأنا على يقين أنّ لكل محب ومريد وتلميذ وطالب علم مع الشيخ حكاية مثمرة ولو جمعنا قصة كل واحد منا مع فقيد الأردن وفقيد الأمة الكبير لخرجنا بسفر ضخم جدا من الأعمال الجليلة التي يعود الفضل فيها لله سبحانه ثم لشيخنا ... فقد انقطع عمل الشيخ ولكن أجره وثوابه وحسناته جارية ... وما أعظم الإسلام الذي يبيّن رسوله الكريم عليه السلام:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له) وقد فاز الشيخ برحمة الله سبحانه بهذه الثلاث... وأسأل الله سبحانه أن يكرمه بالفردوس الأعلى من الجنة ... والعين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ( إنا لله وإنا إليه راجعون).      



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد