الوصية العظيمة

الوصية العظيمة

23-12-2010 10:00 PM

(( يا رجل اتّق الله فينا ولا تأت لنا إلاّ برزق حلال فإننا نستطيع الصبر على الجوع في الدنيا ولا نستطيع الصبر على العذاب في الآخرة)).


هذه هي الوصية العظيمة من الصحابية المؤمنة لزوجها المؤمن.. تستوقفه على باب البيت قبل الخروج للمشي في مناكب الأرض  في طلب الرزق الحلال


تودّعه بهذه الكلمات... تزرع فيه مخافة الله وخشيته وتعززها.. وتبعث فيه روح الهمة والنشاط وتحثه على الصبر وعلى الكسب الحلال الطيب.. فيخرج من بيته كشلال من إيمان وتفاؤل وأمل.. يخرج باسم الثغر منشرح الصدر مطمئناً بالإيمان متوكلاً ومعتمداً على الرزّاق المعطي الرحمان.


نسجَت المرأة المؤمنة خيوط هذه الوصية بأحرف من نور في زمن فهمت فيه المرأة البداية والنهاية وعرفت الهدف والغاية..
لقد كان البيت مملكة إيمانية.. الرجل ملكها.. مملكة تكليف قبل أن تكون مملكة تشريف.. والمرأة ملكتها.. يتعاونان لتصل سفينة الأسرة إلى بر الأمان وشواطيء السلام.


أمّا في هذا الزمن المظلم.. زمن التحرير الزائف والمساواة المعكوسة.. زمن الفتن الذي انعكست فيه القيم وانقلبت الموازين فإنّ المرأة تستوقف زوجها على باب بيته قبل أن يخرج ليمارس كعادته السعي بنهم وأنانية وليركض عبر شوارع الحياة ركض الوحوش في البرية وليمارس التنافس والصراع والتطاحن بعد أن زوَّدته زوجته بقائمة طويلة عريضة من الكماليات واللاضروريات وتأمره بعدم العودة إلى قفص الزوجية إلا وقد أحضر كل محتويات القائمة كيفما اتفق وبأي طريق من الحرام أو الحلال لا فرق.. وإن لم يفعل فالويل له.. هذا إذا لم تكن هي ذاتها قد تركته وأبناءه لخادمة سيرلانكية أو فلبينية بوذيّة لا تجيد لغة أو طبخة عربية وخرجت متبرّجة تزاحم الرجال بالمناكب وتعمل معهم في المكاتب ثم تقبض الراتب وتتجه على جناح السرعة تدفعه إلى ((كوافير)) يجيد تسريحة غربيّة أوروبية.

 

لقد طالبت المرأة بالتحرير فتحرّرت من الحياء والفضيلة والعفّة والإنسانية.. بينما طالبت الصحابية العربية المؤمنة أسماء بنت يزيد الأنصارية بتحرير صحيح صادق من نوع عجيب.. لقد أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع بعض أصحابة وقالت: (( يا رسول الله.. أنا وافدة النساء إليك، وقد أرسلك الله إلينا رجالا ونساء.. ولكنّكم معشر الرجال فُضِّلتم عنَّا بالجمع والجماعات والحج والجهاد ونحن قعيدات بيوتكم، نغزل ثيابكم، ونربي أولادكم ونصنع طعامكم ونحفظ أموالكم ونصون إذا غبتم.. أفلا أجر لنا معكم؟!))


فاستدار صلى الله عليه وسلم بكل وجهه الشريف المنير الطاهر إلى أصحابة وقال: (( أسمعتم مقالة امرأة في أمر دينها كهذه؟ )).
قالوا: لا يا رسول الله.
فنظر إليها صلى الله عليه وسلم وقال:
((أيتها المرأة، إعلمي وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تَبعُّل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله )). وحين سمعت وعلمت أن حسن معاملتها ومعاشرتها لزوجها ورفيق دربها وحبيب قلبها يعدل الجمع والجماعات والحج والجهاد انصرفت وهي تقول: الله أكبر الله أكبر.. تكبّر وتكبّر حتى اختفت عن مجلسه صلى الله عليه وسلم.

 

لقد طالبت خطيبة النساء ومندوبتهن" أسماء" التي نطقت بألسنتهن بأن تتساوى المرأة في الأجر والثواب مع الرجل فلما اطمأنت إلى أنّ أجرها على حسن معاملتها زوجها يعدل أجر الجُمع والجماعات والحج والجهاد عادت مكبّرة إلى بيتها.. إلى عشها الجميل الدافيء...إلى حصنها الحصين... إلى أُسرتها.. إلى مملكتها ...مملكة الأمن والأمان والإيمان .. تغزل الثياب.. وتربي الأبناء تربية إسلامية.. وتصنع الطعام وتحفظ مال زوجها وتصون فرجها لتسمع يوم القيامة نداء ربها: (( أين التي صلت خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها أُدخلي الجنة من أي الأبواب شئت)).


لم تكن المرأة المؤمنة تريد من زخارف الحياة وزينتها ومتاعها وأثاثها شيئاً.. لقد كانت تريد الزوج الذي يعلّمها الطريق إلى جنة ورحمة ربها..


والطريق إلى الجنة محفوف بالمكاره.. لأن الجنة سلعة الله الغالية.. ولا بد من التضحية والصبر والعلم والعمل والإخلاص والإستقامة والتقوى للحصول على تذكرة إلى الجنة..


لقد سجل تاريخنا في حقبته المشرقة بين أروقته وفي ثنايا أوراقه أن أرملة شابة عادت من الشام إلى الحجاز صفر اليدين لا يكاد يستر جسدها شيء إلا ثياب خشنة، أقرب إلى الأسمال البالية.. فما أن رآها أهلها حتى هالهم الأمر، وفي عجبٍ ودهشة راحوا يتساءلون: (( أهذه زوجة والي حمص وما حولها؟ )).

والشام يومئذ من أغنى بلاد الدنيا، ينعم أهلها بالثراء بما فيها من ثروات وما تمتاز من مركز تجاري كبير بين الشرق والغرب، وما بلغتهم من مستوى رفيع في ذلك العصر.. ولم يتمالك أحدهم أن سألها عمَّا ورثته عن والي حمص: سعيد بن عامر، فكان جوابها جواب المرأة المؤمنة:
(( والله لقد ورثت عنه ما لا يوزن بمال الدنيا وما فيها.. لقد علّمني القناعة والتقوى والورع.. ألا تعلمون من هو سعيد بن عامر؟ )).


تفتخر بالقناعة والتقوى والورع وحُق لها الافتخار بهذه المعاني الكبار لأنها الضوء الأخضر ـ بعد رحمة الله ـ إلى الجنة ورضوان الله.. وتلتفت الأم إلى ابنتها الأرملة المؤمنة التقيّة النقيّة ، وتربّت في حنان على ظهرها، وهي تهمس: (( أهذا كل إرثك يا بنيّتي؟))


وتُجيبها الابنة المؤمنة وهي تحبس عبراتها:


(( إنّه لكثير.. وإني والله لأرجو أن أكون معه في الجنة)).


((إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58))). سورة يس .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد