كونوا سُرُجا لا سُرُوجًا

mainThumb

27-12-2010 08:01 PM

يا حسرة ما بعدها حسرة ، ويا لوعة حرّى ، تشعل نوافذ الجسد المتصدع، وهو يجلس في شرفة باهتة الأضواء ، ويسرح نظره نحو أفق داكن، مجبول بدخان اليأس والإحباط ، أفق قريب لا ترى فيه غير ما يبعث على الأسى العويل، أحاول أن أطرد يأسي بمشاهدة آخر تداولات مجلس النواب على التلفزيون الأردني ، علّني أعثر على سلواي ،فازدادت بلواي ، تمنيت حينها ،وأنا أشاهد جلسات النواب ، لو أنني لم أقدم هويتي للقصّ لأنهم قصوا أذني مرتين ،الأولى أذني في صورة البطاقة ، والأخرى في نشاز خطابات النواب ، وانتهاكاتهم النحوية واللغوية الفاضحة ، وأخطاء التنغيم ،ورفع الصوت مع وجود مكبرات الصوت،




 وهنا أطالب بمحاسبة كل معلمي اللغة العربية الذين درّسوا النواب في المرحلة الأساسية ، كما أطالب بعدم الانصياع لهم في إنشاء نقابتهم ،وفردوسهم المفقود ؛ لأنهم لم يحسنوا تعليم النواب درس كان وأخواتها ، وتحفيظهم حروف الجر ، وأن المضاف إليه خلقه الله مجرورا وممسوحا به الأرض ،.



كما أطالب بإخضاع معظم نواب الأمة لدورات تدريبية واحدة في اللغة العربية ، والأخرى (للإتيكيت) وثالثة في فن الجلوس ،والاستماع والالتزام بالنظام الداخلي للمجلس الموقر . أعتقد أن المواطنين - بطلباتهم التعجيزية أحيانا ، وإخضاع النواب إلى رغباتهم الفردية - هم من قزّم صورة النواب، وحوّلهم من سُرُج ( جمع سراج ،وهو المصباح المنير ) يضيئون ليل الأمة ، إلى سروج ( جمع سَرج ، وهو رحل الدابة) وفي أحيان كثيرة إلى ( بردعة ) تمتطيهم الحكومات المتعاقبة لتمرير بعض برامجها الفجة ، مقابل تحقيق ما يطمع به النواب من مصالح ومنافع ضيقة لهم أو لفزعاتهم .



وتدوير السرج ،كما يتم تدوير المواد المستهلكة ،بنزعه من ظهور المواطنين بسبب الحاجة وضيق ذات اليد ، لوضعه على ظهور النواب نتيجة لهاثهم المستمر خلف الحكومة طلبا لتحقيق بعض المنافع لمنتخبيهم . النائب السراج لا السرج ،هو الذي يقول للحكومة ( نعم) حين تحسن في بعض برامجها ،ويقول لها : (لا)، صادقا ومقتنعا بقول لا ، ولهاتين الكلمتين استحقاقاتها ، لا خشية من الحكومة ونفوذها ، ولا تزلفا وتملقا وانبطاحا لها ، قد أمتدحها في مواضع المدح ، وقد انتقدها نقدا موجعا إن أحسست بأنها حادت عن النهج القويم ، بتراخيها عن خدمة المواطنين، وإهمال مطالبهم وحاجاتهم الأساسية .



 يجب قول ( لا) عن وعي دقيق ، وقراءة متأنية ، ومراجعة الملفات بعد الاستئناس برأي الخبراء ،وعن معرفة تامة بالواقع الداخلي والخارجي ، وعلى هذا لا يريد المواطن ،وليس من مصلحته المعارضة للمعارضة . لأن مجلس النواب( كميزان السيارة )تدخل إليه الحكومة بسيارة من المشاريع تتمنى أن تحصل على (أربعة جيد )وتخرج بدون أعمال صيانة أو تغيير قطع ، لكن أصحاب الميزان ( النواب) مهمتهم فحص السيارة بدقة قبل أن يعطوها ( كرت الثقة ) ولكن المحزن حدّ القهر ، أن يأتي بعض النواب إلى المجلس ، وبخاصة من هم قليلو الخبرة ، غير مستعدين جيدا لما هم بصدد مناقشته ، وهذا هو السبب في ضياع الهيبة ، بمزايدات ارتفاع أسعار الثقة ، من ثقة إلى ثقة ونص ، وثقة وثلاثة أرباع، لننتهي إلى رقم ( ضباطي 111) سهل الحفظ ،ومُطَمئِن لفحص الضغط والسكري ،ولو كان رقما لسيارة أو خطا لخلويّ لتسابق معظمنا إلى اقتنائه .كما أنه رقم صعب لا يمكن لحكومة قادمة كسره أو تخطِيه.




 النائب السِراج لا السَرج ، هو من يفتح بابه وذهنه لكل أبناء الوطن ، ويُغلِب مصلحة الوطن على ما سواها ، ويتمتع بالجرأة التي تمكنه من فتح ملفات الفساد بعد قراءتها جيدا . ليقول (لا) بملء شدقيه . مهما كان الثمن باهظا ، وهو من ابتدأ دورته الأولى في المجلس بتحليل ما سيعرض عليه من قوانين مؤقتة أو مشاريع ، كالموازنة العامة ، وقوانين الضمان الاجتماعي والمالكين والمستأجرين وغيرها أين النائب المشاغب بذكاء ،الذي يبقي الحكومة واقفة على أصابع قدميها ، تنام وهي واقفة مستنفرة ، بسبب وجود نائب يشير إلى خلل مالي هناك ، أو نقص خدمات هنا ، أو تقصير حكومي في معالجة مشكلة ما ، أو تردي خدمات صحية في مركز صحي ما . لا بدّ يا نواب الأمة ،من أن تعيدوا إلينا صورة النائب ( الحِصان ) الحرّ ، المتابع لكل قضايا الوطن في هذه السنوات العجاف ،




صورة النائب (الوجيه ) و(الأعقل) والأكثر نضجا واتزانا ، والأرجح فكرا وعلما ، الذي يُجمع الجميع على أنه خير من يمثل دائرته ووطنه ، ومن المؤسف أن هذه الشروط في نائب الأمة انقرضت وغابت ، ليحلّ محلها ( الأغنى والأقدر ) على تسيير الحملة الانتخابية معتمدا على المال والمال الفاسد ،لذلك لم يعد أدنى شك عند المواطنين من أن النواب الذين أفرزتهم قراهم ،وتجمعاتهم العشائرية ليسوا هم أفضل أبناء مناطقهم لتمثيلهم ،




 لهذا حينما غابت صورة النائب المقنع ،صرنا نرى نوابا أشبه بطلبة المدارس ، يجلسون على (رحاليهم )الخشبية ، دون أن يحفظوا واجباتهم ، ويشاغبون مشاغبات جانبية ، ويدخنون ، ويلعبون لعبة ( الدودة ) على خلوياتهم ،ويتغيبون عن جلساتهم ،ويتسربون من غرفة الصف ، مستغلين طيبة إدارة المدرسة .



 النائب سراج الأمة ،وهاديها لاجتياز أنفاقها المظلمة ، لا سَرجًا أو بردعة تركبُه الحكومة مدة أربع سنوات ثم ترمي به في إسطبل المنفعة ،والتعليف المستمر .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد