ذكريات حوادث السير وفنجان القهوة

ذكريات حوادث السير وفنجان القهوة

04-01-2011 07:49 PM

الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي قهر عبادة بالموت ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعدة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وبعد : تتداخل الأفكار بحيث لا يستطيع الحليم أن يجد الفكرة التي تعبر عن ما يجول في خاطرة من أفكار، خاصة إذا كانت ممزوجة بعواطف فقد جزء من كبد الإنسان ، وتبدأ الحيرة من اللحظة الأولى لاختيار العنوان ، فاطلب من يقرءا هذه المقالة أن يسامحني إذا وجد بها أي نوع من أنواع التضارب أو التعارض في سردها .




 كثيرة هي مآسي الطرق التي مرت على الشعب الأردني الطيب الذي يتحلى بأنبل العادات والتقاليد الإسلامية السمحة ، من إكرام للضيف ، إلى الشجاعة ، إلى العفو عند المقدرة ... الخ ، وأكاد اجزم والله اعلم بأنه لا يوجد بيت أردني إلا تجرع مرارة حوادث السير التي أصبحت تؤرق كل مسؤول وكل مواطن شريف في هذا البلد المعطاء . بالأمس القريب ( 28122010 ) فقدت رؤية ابني الصغير الجالس على مقاعد الدراسة في الصف الثاني الأساسي في مدرسة عبين الأساسية للبنين التابعة لمديرية تربية محافظة عجلون ، وإثناء عودته بعد يوم دراسي مشتاق لرؤية والدته التي تنتظره على أحر من الجمر لأنها تعلم بأن الذاهب إلى المدرسة والعائد منها ، وكأنه ذاهب إلى ميدان معركة بسبب روعنه بعض السواقين الذين يضنون بان هذا الآلة الصماء ( السيارة) لا احد ركبها قبلة ولا احد سيركبها بعده متناسيا قول رب العالمين :" وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا" سورة الإسراء آية 37،




 كان هذا السائق يسير بسرعة جنونية وكأنة في حلبة سباق سيارات الفيراري حيث قدرت سرعته عند اصطدامه بجسم ولدي 130 كم في الساعة ( هذا الرقم من محادثة بين أطباء الأعصاب إثناء محاولة إنقاذ روح ولدي في مستشفى الملك المؤسس عبد الله طبعا تكلموا باللغة الانجليزية ) وهذه السرعة في منطقة لا تبعد عن باب المدرسة إلا 100م ، ونتيجة لهذه الضربة ارتفع جسم ولدي مسافة حوالي 15 أمتار ( هذا الرقم من قبل شهود العيان الذين كانوا يرقبون الحادث ) ليسقط على الأرض مغشيا عليه وكأنة دجاجة ذبحت مكسور الفخذ محطم جمجمة الرأس ، فهل يستطيع عاقل أن يسقط على هذا الحادث بأنه قضاء وقدر من الله تعالى ، خاصة إذا علمنا بان السرعة القانونية داخل حوض البلديات لا تتجاوز 50 كم بأي حال من الأحوال فكيف إذا كانت الشوارع أمام المدارس،




 وبحساب فارق السرعة التي تجاوزها هذا السائق الأرعن نجدها فاقت السرعة القانونية ب 80كم . إن هذا الحادث في كثير من الدول يعتبر قتل مع سبق الإصرار والترصد منطبقا عليه قول رب العالمين :" أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"المائدة آية 32.




إثناء رحلتي في هذه الحياة الدنيا زرت كثير من الدول والحمد لله وشاهدت حافلات نقل الطلاب التي تلون عادة باللون البرتقالي ، فهذه الحافلات لها حرمة كبيرة جدا لا يستطيع احد أن يقترب من هذه الحافلات خاصة إذا كانت متوقفة لتحميل الطلاب أو تنزيلهم ، ومن باب أولى أن تكون هناك حرمة لأبنائنا السائرين على جوانب الشوارع الذاهبين والعائدين إلى منازلهم ، فحرمة الدم المسلم مصونة بالدين الإسلامي بل هي من ضمن مقاصده لقول سيد البشر أجمعين في حجة الوداع حيث قال عليه الصلاة والسلام : "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" صحيح البخاري.




 كانت زوجتي تحادث أمها على الهاتف في محافظة أخرى وعندما سمعت بالحادث قالت لوالدتها: سأتصل بك لاحقا لان ابني دهسته سيارة وهذا بشكل عفوي وبإحساس عاطفة الأم وفعلا ما هي إلا لحظات حتى تأكد الخبر وكانت الفاجعة للام والمدرسة والأردن بشكل عام لفقدان وردة صغيرة لم يصل عمرها 8 سنوات كانت تحمل طموحا كبيرا بان تصبح بأحد الأيام طبيبا يعالج مصابي من يتعرض لحوادث السير أو يكون مدرسا يحمل مشعل العلم لإنارة الطريق أمام الطلاب أو يكون ... الخ ، فتم القضاء على أمل هذه الوردة كل ذلك بسبب عدم تحمل المسئولية من سائق السيارة الصاروخ .




 كنت خارج البلاد ساعيا على طلب الرزق لأولادي ، لأنني اعلم أن طلب الرزق هو في سبيل الله تعالى ، وفي الليلة التي سبقت إعلامي عن قتل ولدي بهذا الحادث الأليم ، كنت والله في المسجد أصلي العشاء جماعة مع الإمام ، واتصل أخي معي أكثر من 3 مرات وانأ أغلق الهاتف بسبب الصلاة ، حتى إنني لم استطع التركيز مع الإمام وما إن انتهت الصلاة سارعت للاتصال معه واخبرني بان احمد قد ضربته سيارة والضربة بسيطة ولكن يجب أن تعود للأردن ، وبهذا علمت بان ابني قد قتل بسبب هذا الحادث ، وسهرت تلك الليلة منتظرا طلوع الفجر أعاني الأمرين أكابد السهر والدموع تنهال من عيني وقلبي يتفطر من الحزن أحاول الحصول على جائزة الصابرين من رب العالمين القائل " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " البقرة آية 156،




وكتبت رسالة إلى أخي sms قائلا له عدم دفن ابني إلا بعد حضوري إلى الأردن ، وطارت الطائرة بعد معاناة مع الجوازات للسماح لي بالخروج ، والأحزان تحاصرني من كل جانب أحاول استذكار ولدي حيث قال لي بلسان وعيون البراءة قبل السفر بليلة لا تسافر يا والدي وأنا نائم بل صحًني لأودعك وقلت ما هي الهدية التي تريدها فقال لي بكل شوق بدله جيش .




الحمد لله رب العالمين على كل شيء فابني لن يكون الأول ولا أخر من يقضى على أمله في هذه الدنيا الذاهبة إلى زوال ولكن أقول بما أن الدولة الأردنية تحاول كل المحاولات للتخفيف من مثل هذه الحوادث ، لذا يجب على كل المواطنين في مختلف مواقعهم الشعبية والرسمية تقديم يد المساعدة لها ، والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه أن يتصرف مثل هذه التصرفات الغير مسئولة ، البعيدة عن ديننا الإسلامي دين الرحمة والشفقة ، واخص بهذا الطلب شيوخ العشائر قائلا لهم يجب مساعدة الدولة الأردنية وتفعيل القوانين الرادعة لمثل هذا السائق المتهور ، لان تفعيل مثل هذه القوانين فيه حماية لأرواحنا وممتلكاتنا واقتصادنا ... الخ ، وفيه الرادع القوي لحماية نسيجنا الاجتماعي مذكرا إياهم بقول رب العزة :" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "البقرة آية 179، فلا احد يستطيع أن ينكر بان القضاء العشائري في الأردن كان له الدور الكبير في حل الكثير من القضايا الاجتماعية،التي كانت تهدد امن واستقرار وحدتنا الأردنية .




 وفي هذا المجال نعود إلى فنجان القهوة ، وبناءا على ما قدمته سالفا أقول لا احد يستطيع أن يقول لي تجرع فنجان قهوة الصلح وأتذكر عند ذلك إن أصحاب احمد في الصف الثاني الابتدائي في مدرسة عبين الأساسية للبنين ، لا يريدون الذهاب إلى المدرسة ، ومنهم من يصوم عن تناول الطعام مشاركة لمصاب زميلهم احمد من هول الصدمة التي ألمت بصديقهم وهم ينظرون إلى الحادث بأم أعينهم حيث كان يمكن أن يشمل عدد آخر من زملائهم ، لا احد يستطيع أن يقول لي تجرع فنجان القهوة ، وأتذكر زملاء احمد كيف كانوا ينظرون إلي بعيون كلها برئيه مليئة بالحزن وهم يرقبون الدموع تنهال من عيني ونحن نشرع بدفن احمد ،




لا احد يستطيع أن يقول لي تجرع فنجان القهوة وأنا أرى أصحاب احمد وهم يتسابقوا يحملون الورد ليضعوها على قبر زميلهم ... الخ . وفي نهاية هذا المقال أقول لابني احمد إن العين لتدمع وان القلب ليحزن وإنا على فراقك يا احمد لمحزونون ، والله يا احمد لا تذهب الدماء التي نزفت من جسمك البريء هباء منثورا ، والله يا احمد كل فلوس الدنيا لا تعدل عندي قطرة دمع على فراقك . ولكن إيمانا بقضاء الله وقدرة نقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة ألا بالله .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد