تونس الحمراء أم الخضراء

mainThumb

16-01-2011 07:30 PM

إذا الشعب يوما أراد الحياة*********فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي**********ولا بد للقيد أن ينكسر
فنم قرير العين أيها الشاعر التونسي العظيم  أبا القاسم الشابي ، فها هو شعبك يتشبث بالحياة الكريمة ، فقد اسقط النظام الدكتاتوري الذي سلب الشعب قوت يومه، وهو بهذا يخط الطريق للشعوب الأخرى التي أنهكتها مظالم حكام آخرين آخر ما يرد في حساباتهم هو مصلحة الشعب والوطن والأمة .
 


وثورة الجياع ليست جديدة على أمتنا فمنذ أكثر من 1400 سنة قال الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاري رضي الله عنه:" عجبت لرجل يجوع ولا يخرج شاهرا سيفه في وجه السلطان"، والإمام علي كرّم الله وجهه يقول:" والله لو كان الفقر رجلا لقتلته" فكيف ترتضي دكتاتوريات هذا الزمان الجوع والفقر لشعوبها؟ وترتضي امتهان كرامة أوطانها وأمتها؟

 

لقد أيقظت صور محمد البوعزيزي مفجر الثورة وهو يسير في الشارع والنيران تلتهم جسده، مشاعر التونسيين وألهبتها، فاندلعت الانتفاضة التي امتدت كالنار، ولم تخمد إلا بعد أن دكت عرش بن علي وأجبرته على مغادرة البلاد مع زمرته . تحت جنح الظلام وبلباس امرأة منقبة ويا للعار.


 
دخل محمد البوعزيزي (26 سنة) التاريخ من أوسع أبوابه، وفتح أمام التونسيين بابا واسعا لتحقيق الاستقلال الحقيقي، الذي يأمل أحرار العالم كله أن يتحقق كاملا ولا تخمده بقايا الطغمة التي تدير شؤون البلاد حاليا .



رحل محمد البوعزيزي، متأثرا بإشعاله النار في جسده، احتجاجا على مصادرة عربته التي يبيع عليها الخضار، دون أن يدري أن ما فعله أشعل انتفاضة الشعب التونسي . وأسقط برحيله الجنرال الطاغية، كيف لا وهو ابن الشعب الذي انشد شاعره العظيم، ألشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.. ها هي تونس تستيقظ، ويستجيب القدر.. فلتونس وأهل تونس، ولشهداء ثورة الفقراء ألف تحية من كل الأحرار في هذا العالم .



لكن السراويل المبللة للمستبد الكبير، والطغاة الصغار توشي بأن الأرض تهتز، وتتحرك، وتميل يمينا ويسارا، و لا يدري أحد من أين ستندفع الجماهيرتجاه الحكام الطغاة أزلام الغرب ! إنها اليوم تسونامي العرب فهل من مدكر وهل من معتبر .



إن ماحدث في تونس من غليان شعبي أطاح برئيس الجمهورية هو رد فعل طبيعي للشعوب التي لديها بصيص من كبرياء
وبصيص من كرامة .



إن ما حدث في تونس دعوة للجميع أن يقرأوا ولا يقيموا علينا الحد وأن يسمعوا دون أن يقيموا علينا الحد وأن ينظروا حتى يقيموا بنا ولنا دولة العدل والحرية والمساواة، فنحن شعوب تملك كل مقومات المشاركة الحضارية في ذلك العالم الذي نحياه، وقد فعلتها تونس، فعلها شعب يأبى إلا أن يكون سيداً في وطنه .



من اليوم وبعد الدرس التونسي يجب ان تدرك كل الشعوب والقوى الحية أن التغيير ينبع من الذات ولا مجال للمراهنة على أية قوى خارجية .


كما يجب أن يدرك الطغاة أن مكر الله لا يؤمن ، وكذلك مكر الشعوب ، وأنه في زمن عولمة الصورة والإعلام الإلكتروني أصبح حادث بسيط كحادث البوعزيزي يمكن ان يفجر شرارة الغضب ، ويوقد شعلة الثورة المقدسة ، وأن زمن الحكم الأبدي والخلود في السلطة بلا حسيب ولا رقيب لم يعد متاحا ، فليغادروا بشرف وليتركوا للشعب كلمة الفصل ، وأن المراهنة على حماية قوى الإستكبار العالمي لم تعد مجدية ، فالطاغية يصبح ورقة محروقة بعد لفظ الشعب له لا يجد مأوى إلا إذا تكرم عليه أحد من شاكلته حيث يقبع ذليلاً مهاناً حتى نهاية عمره.



فما أعظم الشعوب وما أجبن الطغاة . وهكذا رأى العالم كيف أن شعب تونس الذي طالما وصم بالخنوع لأعتى طواغيت العصر ، هب فجأة ومن غير سابق إنذار ليضع حدا للعبث السياسي ولعقود الصمت الطويل . أسابيع قليلة من العصيان المدني كانت كافية لانهيار الطاغية ، ليكتشف العالم كله ان الطواغيت مجرد أصنام من ورق لا يحركهم سوى حب الخلود في السلطة والخوف من الشعب الذي لا يمكن أن يكون مصدرا لسلطاتهم . نعم ولى أتعس العابدين .. وسيكون للفرعون والفراعنة يوما ً أشد


وبشكل عفوي كانت الشعارات التي تطالب برحيل الدكتاتور من قبيل :
 " بن علي يا جبان شعب تونس لا يهان "
 "   تونس حرة حرة وبن علي بره بره " 
      "               لادراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس "

                  "   ألفين وحداش ب ن علي ما يبقاش "

 

الطاغية كائن جبان بطبعه ،وإن ملك الجيوش المدججة و ولذلك عند الجد ليس أمامه سوى الهروب أوإصدار الأوامر بإبادة خصومه من أبناء شعبه وكلما سقط شهيد تتزلزل الأرض من تحت أقدامه ، فالشعوب عندما ترى قتلاها تتحول الى أسد جريح تتضاعف قوته ويصارع خصمه دون هوادة ،ويتساوى الموت والحياة عنده  فوقود الثورات هو سقوط الشهداء ، وهم المقدمة إلى النصر والفرج .

 
لكن شعب تونس بانتفاضته الشجاعة قلب المعادلة، مؤكدا أن الأمة العربية ليس قدرها أن تعيش متأرجحة بين تحكم الطواغيت الفاسدين، وبين صمت الشعوب المريب، فهل هي صحوة مفاجئة أم أنه الغضب المتراكم في ظل نظام بوليسي فاسد يخنق الأنفاس ويصادر كل شيء : حرية التعبير وحرية العبادة...قمع المعارضة والتضييق على الإعلام ... – والرشوة والفساد والبطالة

 

ورغم كل ذلك ستبقى الحقيقة مرعبة صارخة بوجه تجار السياسة وأن الخلاص آتِ، ولا بد أن يأتِ مهما خضعت هذه الشعوب، فالذل لا يصمد أمام الحقيقة .
فاليوم اندلعت شرارة إرادة الشعوب في تونس وسطرت أسطورة شعبية يجب أن تستمد من صمودها وتضحياتها بلسم للقضاء على الفساد، وأن تحتذي كل الشعوب العربية حذوها دون الانخداع ببريق الخطابات والوعودات، وأن تعقد العزم على التحرر والبحث عن كرامتها وحريتها ومستقبل أبنائها وأجيالها .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد