مصر تكتب تاريخها من جديد

mainThumb

12-02-2011 10:57 PM

عاشت مصر حرّة أبية مستقلة.. عاشت إرادة شعبها، وهنيئاً للمصريين بانتظار خلاصهم من حقبة الارتهان، ومن عقود الإذعان.. ومن سنوات القحط البغيضة، ومن قيود الانعزال.‏



اليوم سطر المصريون الصفحات الأولى من تاريخهم الحديث بعد أن اختطفته سنوات القحط السياسي والإملاء الخارجي، وعقود الإذعان أكثر من ثلاثين عاماً خلت .



كان العلم المصري وهو يرفرف في ساحات وشوارع المدن المصرية من أقصاها إلى أقصاها مشهداً سيبقى في ذاكرة التاريخ علامة فارقة، وهي تؤرخ اللحظة التي سيكون ما بعدها غير ما كان قبلها، وسيكون للعلم المصري منذ اليوم حكايته التي تترجم حلم الملايين الذين لم تتوقف حناجرهم على مدى الأيام الماضية إلى أن تحقق ما حلموا به، وما عملوا من أجله، وما ضحوا في سبيله



جاءت مصر كلها، بفقرائها، بمتوسطي الحال والأغنياء بجهدهم وعرق الجباه والكفاءة. وتابعتهم الأمة وقلوب أبنائهم في عيونهم، يتأملون فيهم صورة مستقبلهم . صار الوطن للجميع، اقباطاً ومسلمين، والدين لله .


لم يكن حلماً، بل كان أبهى كالحقيقة. كــانت الإرادة تدوي وهــي تصنع التاريخ فتبدّل المصائر لتصنع النصر الذي كان يتبدى مستحــيلاً .
 

. صارت الثورة طوفاناً. هم العقول المنوّرة بالعلم. هم أبناء الشقاء والظلم الأبدي . هم أبناء الفقراء والمفقرين. أبناء الناس الطيبين الذين سئمهم الصبر وظلوا يأملون عبثاً أن ينتبه إليهم
 

كانوا فتية بعقول حكماء، وكانوا ثواراً بصدق الوطنيين: لم يطلبوا العون من أية جهة، بل هم رفضوا أن «ينصحهم» الخارج، أو أن يدعمهم، أو أن يتبنى مطالبهم. هذه معركة تحرير وطنهم، وهم لها. هذه لحظة إثبات أهليتهم بوطنـهم بــحضارته الممتدة من فجر التاريخ،



لم يحملوا من السلاح إلا إرادتهم وعلومهم وفقرهم ومعاناتهم من أجل الخبز مع الكــرامة. لم ينشــئوا ميليشيا، وهم أبناء الدولة التــي بدأ بها ومعها عصر الدول، لم يخرّبوا المؤسسات العامة التي كان الطغيان قد أفرغـــها من دورها في خدمة أصحابها الشرعيين . لم يدمّروا المنشآت الخاصة وهــم يعــرفون أنها حصيلة نهب عــرق جباههم. لم يتــشدقوا بشعارات طنانة وفخمة الإيقاع. لم يزعموا أنهم سيغيّرون الكون.


مشوا إلى ميدان التحرير فنصبوا إرادتهم راية، فإذا الناس ـ أهلهم ـ يأتون إليهم من كل حدب وصوب وقد سلّموا بأهليتهم للقيادة هكذا عبر المصريون عن إرادتهم، وهي تتحقق بكفاحهم وثباتهم، لم تنفع كل محاولات الالتفاف والتراجع والانكفاء إلى أن كانت اللحظة التي ناضلوا من أجلها طوال ثمانية عشر يوماً من الصبر والمواظبة والصمود، وانتظروها منذ عقود طويلة
مصر اليوم غير مصر الأمس.. وتفصح عن وجهها الحقيقي.. تستعيد دورها المصادر إقليمياً وعربياً، وتفتح بواباتها المغلقة منذ عقود، لتعلن حضورها المنتظر.‏


.‏ هذه هي مصر تستعيد نفسها بصدق اللحظة وبنبض جماهيرها وبإرادة شعبها، لتعيد رسم خريطة المنطقة التي تستعد اليوم لتستقبل مصر بوجهها الجديد التي اشتاقت إلى موقعها، واشتاق إليها دورها.‏


هذه هي مصر بصورتها الجديدة، تستيقظ على حد تعبير أحد الشبان المصريين، تقلب صفحات ماضية، تعلن قطيعتها مع عقود غيبت إرادة أبنائها وطموحات جماهيرها، وهذه هي صورة الحلم العربي، وهي تعيد تركيب أجزائه ليكون على قدر الطموحات المشروعة لأبنائه.‏


مصر تكتب تاريخها بسواعد أبنائها، بصوت حناجرهم وهتافاتهم، بتضحياتهم، بصمودهم وثباتهم، ومع كتابة هذا التاريخ، تُعاد كتابة التاريخ العربي الذي نطمح إليه ونراهن عليه ونعمل من أجله لحظة بلحظة وكلمة بكلمة وموقفاً بموقف، وسطراً بسطر.‏


.‏ والواضح أن إرادة المصريين التي ترسم واقعاً جديداً أصاب تلك الدوائر بالقلق الذي عبرت عنه العديد من مواقفها، والأوضح أنه يقلب الكثير من الحسابات والمعادلات.‏


إرادة التغيير التي انتصر بها الطوفان الجماهيري في أنحاء المدن المصرية لاتكتفي برسم عناوين مرحلة مختلفة، بل هي أيضاً تخط الاستجابة الفعلية لطموحات الشعب المصري التي تكتب ملامحها ومؤشراتها تلك الإرادة التي تمسكت بها على مدى الأسابيع الماضية.‏


هكذا نقف جميعاً لنعلن احترامنا لتلك الإرادة التي عبّر عنها المصريون، ولنكون على مسافة واحدة نتلمس معهم نبض اللحظة التاريخية، خصوصاً أننا كنا وما زلنا نتقاسم فصول التاريخ، ونرسم معاً حلمنا التاريخي المتأصل في وجداننا بتفاصيله وعناوينه.‏


وكلما كان اقترابنا والتصاق طموحاتنا أكثر وضوحاً، أجدنا في كتابة التاريخ الذي ينبض بحكايات تواصلنا وعمق وجودنا وإحساسنا.‏


عاشت مصر حرّة أبية مستقلة.. عاشت إرادة شعبها، وهنيئاً للمصريين بانتظار خلاصهم من حقبة الارتهان، ومن عقود الإذعان.. ومن سنوات القحط البغيضة، ومن قيود الانعزال.‏



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد