مَنْ يهدد أمن الأردن؟

mainThumb

25-03-2011 06:33 PM

 إن مزايدة البعض على المطالبين بالإصلاح ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة بتهم مثل: ضعف الانتماء، وخلل في الولاء، والقدح في المواطنة، وتهديد أمن الأردن، تصب في خانة ضعف الحجة، وفقدان المصداقية، والبعد عن الموضوعية، وخلط الحابل بالنابل، وتحميل نقائصهم إلى غيرهم!

إن المزايدين على دعاة الإصلاح بالانتماء والولاء، لا يدركون معنى الانتماء، ولا مدلول الولاء، لأن الانتماء عمل وبناء، لا شعارات تصاغ، وأصوات تهدر. والولاء تمثل واقتداء، لا صور ترفع، واحتفالات وكرنفالات ورقصات ودبكات فقط. دعاة الإصلاح يهتفون ولاءً للقيادة الهاشمية، ولا يرضون عنها بديلاً، ويخافون عليها من فساد المفسدين، وتقصير المقصرين، وظلم الظالمين. ولا يرضون بغير الأردن وطناً، شعارهم: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام!



لا خطر من المطالبين بالإصلاح، فهم يجاهرون بما يريدون، ويعلنون عن أفكارهم، ويعبرون عن مشاعرهم ورؤاهم، واضحون صريحون، دون التستر خلف حجاب، أو التخندق خلف أبواب، أو التمترس خلف لافتات براقة، وشعارات فضفاضة!



إن من يهدد أمن الأردن، لا يعلن عن نفسه إلا بعد أن ينفذ جريمته، أما أولئك المجاهرون بالإصلاح فهم أحرص الناس على أمن الأردن، وهم إذا دقت ساعة الحقيقة افتدوه بالمهج والأرواح، لأن الأردن بالنسبة لهم حياة ومصير، لا شجرة يستظلون بظلها، أو كعكعة يتقاسمونها، أو غنيمة يتناهبونها، أو أنخاب يتبادلونها!



دعاة الإصلاح بكافة طرقهم وأساليبهم السلمية يغضبهم أن يمس الأردن من داخله، وأن يسرق ممن يدعون مصلحته، وأن يجر إلى الوراء ممن يهرفون بما لا يعرفون. فهم يرون الأردن تتناهب ثرواته، وتسرق مقدراته، وتهدر أمواله، وتترهل إداراته، وتسوء خدماته ومرافقه، وتتصحر أراضيه، ويتغول على مواطنيه، ويستأسد على أبنائه، ولا يرون من يردع المفسدين، ويقطع أيدي السارقين، ويعاقب المترهلين، ويوقف الباغين، ويحاسب المقصرين. أردن بناه الآباء والأجداد بعرقهم ودمائهم ونبض قلوبهم. وها هم بعض الأبناء المارقين يكادون أن يقوضوا هذا البناء الأشم، لجشع في نفوسهم، وخلل في عقولهم، وطيش وزيغ استمرأوا العيش فيه، ظناً منهم أنهم فوق القانون، أو أنهم قادرون على تجاوز القانون، وأن الناس ما خلقوا إلا ليكونوا لهم تبعاً وخدماً وعبيداً في مصانعهم وشركاتهم ومؤسساتهم ومزارعهم، يؤمرون فيطاعوا، يشيرون فيستجاب لهم، يطلبون فيلبوا!



إن من يقدم النصيحة، والنقد تلو النقد، ويشير إلى مواطن الخلل والخراب، ويشير إلى الفساد والمفسدين، ويطالب بمعاقبة المخربين والمترهلين والمقصرين، وقطع يد السارقين، وكف يد الظالمين، وينادي بالمساواة والعدالة بين أبناء المجتمع الواحد، وشيوع مبدأ الشفافية والوضوح في كل مرافق الدولة، والتخلص من الوساطات والتجاوزات، ووقف نهب المال العام وهدره وتسيبه، والكف عن تزوير الانتخابات. هؤلاء الأصدق حديثاً، والأكثر ولاءً، والأطهر قلوباً، والأنقى انتماءً، والأجمل وفاءً، لأنهم حريصون على الأردن وأمنه ومكانته، ولا يسرهم أن يشاك بشوكة، أو يمس بأذى، يحزنهم ما يرون دون إجراء حازم، ويصدمهم ما يسمعون ولا حياة لمن تنادي، ويقض مضاجعهم ما يشاهدونه من تسيب وسوء إدارة وخلل دون أن يبالي أحد أو يستجيب أحد، أو يهتم أحد.



إن الذين يهددون أمن الأردن هم الذين يتجاوزون على القانون دون أن يردعهم أحد. وهم الذين ينهبون ثرواته دون رقيب أو حسيب. وهم الذين يكدسون ثرواتهم خارج الوطن، ولا يستثمرون فيه إلا إن ضمنوا أن تعود نقودهم أضعافاً مضاعفة. وهم الذين يفاضلون بين المواطنين على غير أساس علمي أو حضاري. وهم الذين يقررون راتباً لموظف قد يبلغ عشرين ألفاً في الشهر، وهم أنفسهم يقررون راتباً لموظف أقدم منه لا يتجاوز خمسمائة دينار بعد خدمة تجاوزت عشرين عاماً. وهم الذين يرون الخلل فيغمضون أعينهم. وهم الذين إذا أرادوا زيارة منطقة أعلنوا عنها مسبقاً ليمكيج الواقع، وتطمس معالم الخراب حتى لا تتأذى أعينهم الحساسة بالمناظر الكريهة. وهم الذين يوظفون مرافق البلد ومقدراته لمصالحهم، ويكدسون ثرواته في جيوبهم. وهم الذين يظلمون ولا يعدلون. وهم الذين ينامون ولا يعملون. وهم الذين يرفعون عقيرتهم ولاءً وإنتماءً، وأيديهم تمتد لتسرق وتنهب وتلطش. أولئك أشد خطراً على الأردن وأمنه ونسيجه الاجتماعي. أولئك هم سوس الخراب، والصدأ القاتل، والعفن السام. أولئك يطعنون الأردن من داخله بسهام جشعهم، ورماح طيشهم. أولئك هم البلاء الأشد، والوباء الفتاك. لا يجاريهم في جريمتهم إلا عدو يتربص بنا غرب النهر، هم أمنه وأمانه، وهم جنده وأعوانه، لا يرعبه إلا دعاة الإصلاح لأنهم سيكشفون عورته، ويريدون مقتله، ويجاهرون بالعداء له، فالعدو تخيفه أصواتهم، وترعبه مسيراتهم، وتقض مضاجعه هتافاتهم، لا يغمض له جفن خوفاً وجبناً ورعباً، لأن مصيره مرتبط بنجاحهم، وبقاءه رهن بقرارهم، ونهايته وشيكة على أيديهم!



فليحذر من يدعي حب الأردن وخوفه على أمنه من أيدٍ تتربص في الظلام، تستغل ما يحدث، وانشغال الأجهزة الأمنية بالمسيرات والمظاهرات والاعتصامات، فتكيد لهذا الوطن، وتنفذ مخططاتها، وتنسج خيوطها القذرة، وأعني بهم عدونا غرب النهر، وأعوانه وأنصاره، وكل من يتربص بالأردن وأمنه، ويدبر أمر بليل فهو طابور خامس لا يقل عنه قذارة !



دعوا دعوات الإصلاح وشأنها، واتركوا المسيرات والمظاهرات تصل إلى مبتغاها، فلا خطر في ركابها، ولا خوف منها، ولا داعٍ أن تحاربوها أو تعرقلوها، فالإصلاح قادم لا محالة، لأن هذه سنة الحياة، قد ينجح البعض في اعتراض طريق الإصلاح أو يعرقله، لكنه لن يستطيع وقفه. قد يتوقف الإصلاح، لكنه لن يتراجع ولن ينكص على عقبيه، لأن الإصلاح غاية الراعي والرعية، مطلب الشعب، ومن قبله ومن بعده قائد المسيرة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي ما انفكت كتب التكليف السامي منذ استلم مقاليد الحكم، وكل رسائله وخطبه واجتماعاته تطالب الحكومات بضرورة الإصلاح ومحاسبة المفسدين وإطلاق الحريات، ولكنه وشعبه معه ابتلي بحكومات تتعرقل بخطواتها، ترفع الإصلاح شعاراً لا تطبيقاً، ولوحة للزينة لا طريقاً للنجاة!



ويح أمة ... تعادي وتحارب من ينظف جراحها، ويزيل أوساخها، ويحذرها من أمراضها وعللها، وفي الوقت نفسه تقبل وتعانق من يخيط الجرح على عفن، ويخدرها بمعسول الكلام والشعارات، ويستغل غفلتها، ويسرق لقمتها، وينتهك حرماتها. ما لكم كيف تحكمون؟!

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد