الشيءُ بالشيءِ يُذكر !

الشيءُ بالشيءِ يُذكر !

02-04-2011 10:20 PM

 أتذكرُ ، والشيء بالشيء يُذكرُ ، أتذكرُ ولا أنسى يوماً راجعت فيه دائرة الإقامة في مدينة البصرة عام 1988 ،وكنت آنذاك على مقاعد الدراسة الثانية ، والشباب بمائه والعمر بإقباله ، وجلست في قاعةٍ للانتظار ،على مقعد متهالك الأركان ، وكان بجانبي رجل شيبة ، قد مرَّ به قطار العمر، وعندما أخرجت جواز سفري الأردني الأخضر القديم من حقيبتي ، نظر إليَّ ، ثم تسمرت عيناه على الجواز، فشددت أشاجعي عليه ، فقد أوجست خيفة من الرجل ، وإن كانت خيفة غير مبررة نظراً لوقاره وهيبته .

  ثم تكلَّم ، وسألني : أنت أردني ؟  فأجبته . وماذا تفعل في البصرة في هذه الدائرة؟  فقلت : طلبا للإقامة ؛ لأنني أعمل دراسات عليا في الجامعة .

فهزَّ رأسه وعاد ينظر إلى الجواز وكأنه يريده ، فأرخيت أصابعي عنه ووضعته بيني وبينه متذرعاً بالبحث عن شيء آخر في حقيبتي ، فمدَّ يده إلى الجواز وشمَّه وقـبـَّـله ، وقد أغرورقت عيناه بالدموع بعد ذلك .

فسألته ما الأمر ؟ ولماذا الدموع ! فأجاب بزفرٍة وحرقةٍ وتلعثم ، قائلا : ذكرتني بزمان الحكم الملكي الهاشمي في العراق ، ذاك الزمان الهني . فقلت في نفسي : أمَّا نحن في الأردن فما بالنا نعيشه ولا نغتبط  ولا نقدر هذه النعمة الآن !

فيا سامعين الصوت من مختلف الملل والنحل ، تنبهوا قبل الفوت :

   لا تفرِّطوا بالنظام الملكي الهاشمي بشكله  الحالي ، فتندموا وليست ساعة مندم .

   فالمطالبة بالملكية الدستورية هي دعوة خفية لنظام جمهوري دموي عنيف ، فنحن العرب لا يمكننا أن نصنع ملكية دستورية كما هو عند غيرنا من دول العالم ، لِما جبله الله في طباعنا من الاستعلاء على الآخرين والأنانية وحب الذات الشديد وعدم قبول الأخر والاستمرار بمحاولة إلغائه ؛ للتشبث بالشيخة والوجاهة والكبر .

 فما أن يعتلي المعتلي منصب رئيس الوزراء، فسيحتفظ بحقيبة وزارة الدفاع ومن ثم الداخلية ولو بصورة غير مباشرة ، وستتشكل حوله البطائن الفاسدة  التي تزين له نفاقاً  صلاحيته للبقاء في منصبه ، وتعمل على ذلك ، كما عاينا من حولنا ، وليس الخبر كالعيان ، وستشتاقون عندئذٍ إلى صورة الملك ؛ فلا ترونه إلاَّ مرة كلَّ أربع سنوات بمناسبة افتتاح دورة برلمانية جديدة . وكلّ برلمان وأنتم بخير .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد