وجاء دور الشباب

mainThumb

10-04-2011 08:43 PM

 
لكل زمان رجاله، ومن الإجحاف ومعاندة سنن الكون أن يستأثر الإنسان بنصيب غيره، فيقصيه عن الصدارة ويحاربه ويمنعه من الوصول، ويصادر حقه، ويحرمه أن يأخذ فرصته وأن يؤدي دوره المأمول منه، الذي هو حقه الطبيعي الذي استخلف لأجله، وما خُلق إلا ليتبوأه عن جدارة واستحقاق!



ومن ظلم الإنسان للإنسان أن يتعمد تجهيل الآخرين وطمسهم وتهميشهم وإضعافهم والسيطرة عليهم، وتحويلهم إلى أتباع أشبه بالقطيع؛ حتى لا تقوم لهم قائمة، ولا يرتفع لهم رأس، ولا تفتح لهم عين أو أذن، فلا يطالبوا بحقوقهم، ولا ينتبهوا لدورهم، يعيشون عالة لا رأي لهم، ولا صوت ولا حركة، اللهم إلا هزَّ الرؤوس بشكل آلي موافقين مؤيدين مطيعين!



إن السنن الكونية التي اقتضتها حكمة المولى سبحانه وتعالى أن يأخذ كل دوره، ويؤدي واجبه، دون افتئات أحد على أحد، أو سيطرة أحد على أحد. فكبار السن والعجزة أدوا ما عليهم، وأخذوا حقهم، وقدموا جهدهم. ولذا وجب عليهم أن يخلوا المكان لغيرهم من الشباب الأقدر على قيادة المرحلة والسير بالمركب إلى بر الأمان بسلام، كونهم ربابنة الزمان وقادته وأولى الناس بقيادته والإمساك بزمامه. ولا نعني بالشباب مرحلة عمرية محددة، بل الشباب طاقة عقلية وروحية قد تتوافر عند ابن التسعين، وقد لا نجدها عند ابن العشرين. ومن هنا فإن على العقلاء على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها أن يقدموا الشباب، لأنهم الأقدر على التجديد والتطوير والإصلاح والابتكار والإبداع، وهم الأقوى والأنشط والأقدر، وهم الأكثر حماساً والأعلى همة والأنظف عقولاً وقلوباً، والأصفى ذهنا، والأنقى روحاً!



لا ننتقص من جهد الكبار والشيوخ، فقد بذلوا جهدهم وطاقاتهم، وقدموا ما يستطيعون، وأحسبهم عاجزين عن مواصلة المسيرة، فقد أوصلونا إلى ما ترون من ترهل وعجز ومديونية وفساد وخلل ومشكلات لا تعد ولا تحصى، وكل ذلك بالتأكيد عن حسن نية، واجتهاد لم يحالفه الحظ، وجهد العاجز المتعثر!



نعم، آن للكبار العجزة أن يريحوا ويستريحوا، فقد نفدت ذخيرتهم، وخبت شعلتهم، واضمحلت طاقتهم، وكلت عقولهم، وما بقي لهم إلا اجترار أفكارهم وأساليبهم وأدواتهم، دون مراعاة لمقتضيات التطور، وسنن التغير، وحتمية التجديد، وضرورة مواكبة العصر الذي يتسارع بشكل جنوني لا يتوافق مع بطء خطواتهم، وحركة عكاكيزهم، وارتعاشة أيديهم.



والشباب الشباب يجب أن يتسلموا قيادة المرحلة، فهذا دورهم وواجبهم، فالمستقبل لهم، ورهن بأيديهم، وهم الأقدر على تقرير ما يناسبهم ويفيدهم ويصلح حالهم. وهم يأملون من الكبار قادة المراحل السابقة أن يكونوا لهم عوناً وسنداً، وأن لا يبخلوا عليهم بخبراتهم وتجاربهم وحكمتهم، فهم سيبقون في القلب، بيوت خبرة وتجربة، وبنوك معرفة وحكمة. ولا ينكر جهد وفضل من سبقوه إلا صغير النفس، ضئيل القيمة، خسيس النفس، قليل الأصل. وهؤلاء الشباب هم أولادكم –أيها الكبار- نتاج أصلابكم، وحصيلة تربيتكم، وامتدادكم، فاطلقوا لهم العنان، ولا تكونوا لهم ضداً!



العصر عصر الشباب الذين تحركوا في كل مكان، بعد أن ضاقت عليهم أنفسهم؛ لأنهم يشعرون أنهم همِّشوا، وأعتدي عليهم، واستولي على حقهم، من أسلاف أخذوا حقهم وحق الأولين والآخرين، يظنون أن الله لم يخلق أجدر أو أكفأ منهم، وأنهم يصلحون لكل زمان ومكان، متجاهلين أن للشباب دوراً يجب أن يؤدوه، وذلك بتمكينهم من حقوقهم بعد أن يتنازل هؤلاء الكبار عن تسلطهم وطمعهم وجشعهم وجنون العظمة الذي يستولي على قلوبهم وعقولهم.



الشباب سيل جارف، وإعصار عاصف، فلتوظف طاقاته فيما خلق له، وليعطى الفرصة كاملة غير منقوصة، ولتمهد الطريق أمامه، وتزاح العقبات، وبغير ذلك –لا سمح الله- نكن من الخاسرين، ومن السفهاء الجهلة الذين لا يتعلمون أو يعتبرون، ولا يستفيدون من الدروس تتلى على مسامعهم، والأحداث تتسارع على مرمى أبصارهم، وأربأ بنا وبكم أن نكون من هؤلاء!

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد